للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو جاز ذلك، لجاز أن يقول القائلُ لآخر (١): أقبل إليَّ وكَلِّمْني. بمعنى: أقبل إليَّ لتُكلِّمنى. وذلك غيرُ موجودٍ في الكلام، ولا معروفٍ جوازُه، وكذلك أيضًا غيرُ معروفٍ في الكلام: آتنا ما وعدتنا. بمعنى: اجعلنا ممن آتيته ذلك. وإن كان كلُّ من أُعْطِيَ شيئًا سَنِيًّا، فقد صُيِّر نظيرًا لمن كان مَثلَه في المعنى الذي أُعطِيَه، ولكن ليس الظاهرُ من معنى الكلام ذلك، وإن كان قد يَئُولُ معناه إليه.

فتأويلُ الكلام إذن: ربَّنا أعطِنا ما وعدتنا على ألسُنِ رُسلك، إنك تُعلى كلمتك كلمة الحقِّ، فأيِّدنا (٢) على من كفر بك، وحادَّك، وعبَد غيرَك، وعجِّل لنا ذلك، فإنا قد علمنا أنك لا تخلِفُ ميعادَك، ولا تُخْزِنا يوم القيامة، فتفضحنا بذنوبنا التي سلَفت منا، ولكن كفِّرها عنا، واغفرها لنا.

وقد حدَّثنا القاسم، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجَّاجٌ، عن ابن جريجٍ قوله: ﴿رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ﴾. قال: يَسْتَنْجِزُ موعودَ اللهِ على رسله (٣).

القولُ في تأويل قوله: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾.

يعنى بذلك جل ثناؤه: فأجاب هؤلاء الداعين - بما وصف الله عنهم أنهم دَعوه (٤) به - ربُّهم، بأنى لا أضيعُ عمل عاملٍ منكم عمِل خيرًا؛ ذكرًا كان العاملُ أو أُنثى.

وذُكِر أنه قيل لرسول الله : ما بالُ الرجال يُذكَرون ولا تُذْكَرُ النساءُ في الهجرةِ. فأَنْزَلَ اللَّهُ في ذلك هذه الآية.


(١) في النسخ: "الآخر". والمثبت هو الصواب.
(٢) في ص: "يأيدينا"، وفى م، ت ٢، ت ٣: "بتأييدنا"، وفى ت ٢: "بايداننا". غير منقوطة.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٣/ ٨٤٣ (٤٦٦٥) من طريق ابن ثور عن ابن جريج.
(٤) في م، ت ٢، ت ٣، س: "دعوا".