للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال آخرون: بل قالوا هذا القولَ على وجه المسألة والرغبةِ منهم إلى الله أن يؤتيهم ما وعدهم؛ من النصر على أعدائهم من أهل الكفر، والظَّفَرِ بهم (١)، وإعلاء كلمة الحقِّ على الباطلِ، فيعجِّل ذلك لهم (٢). قالوا: ومُحالٌ أن يكونَ القومُ مع وصف الله إياهم بما وصَفهم به، كانوا على غير يقينٍ من أن اللَّهَ لا يُخلِفُ الميعادَ، فيرغبوا إلى اللَّهِ جلَّ ثناؤُه في ذلك، ولكنهم كانوا وُعِدوا النصرَ، ولم يُوَقَّتْ لهم في [ذلك وقتٌ فرغبوا إلى الله في] (٣) تعجيلِ ذلك لهم، لما في تعجيله (٤) من سرور الظُّفَرِ وراحةِ الجسدِ.

والذي هو أولى الأقوالِ بالصواب في ذلك عندى، أن هذه الصفةَ صفةُ من هاجر من أصحاب رسول الله من وطنِه ودارِه، مفارقًا لأهل الشركِ بالله، إلى اللَّهِ ورسولِه، وغيرِهم من تُبَّاعِ رسول الله ، الذين رغبوا إلى الله في تعجيل نُصرتِهم على أعداءِ اللَّهِ وأعدائِهم، فقالوا: ربَّنا آتنا ما وعَدتنا من نصرتِك عليهم عاجلًا، فإنك لا تخلفُ الميعادَ، ولكن لا صبرَ لنا على أناتِك وحِلْمِك عنهم، فعجِّل خِزيَهم (٥)، ولنا الظفرَ عليهم. يدلُّ على صحةِ ذلك آخرُ الآية الأخرى، وهو قولُه: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا﴾ الآيات بعدها.

وليس ذلك مما ذهب إليه الذين حكيتُ قولَهم في شيءٍ. وذلك أنه غيرُ موجودٍ في كلامِ العربِ أن يقالَ: افعل بنا يا ربِّ كذا وكذا. بمعنى: [لتَفْعَل بنا كذا وكذا] (٦)


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "به".
(٢) سقط من: الأصل.
(٣) سقط من: ص، م ت ١، ت ٢، ت ٣، س.
(٤) في م: "تعجله".
(٥) في م: "حربهم".
(٦) في الأصل، ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "افعل بنا كذا الذي"، وفى م: "افعل بنا لكذا الذي". والصواب ما أثبت، ويؤيده قوله بعد: أقبل إلى لتكلمنى.