وأمَّا قولُه: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾. فإن معناه: قل يا محمدُ للزاعمين من اليهودِ أن الله حرَّم عليهم في التوراةِ العروقَ ولحومَ الإبلِ وألبانَها ﴿فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا﴾. يقولُ: قل لهم: جِيئوا بالتوراةِ فاتْلُوها، حتى يتبيَّنَ لمن خفِى عليه كَذِبُهم، وقيلُهم الباطلَ على اللهِ من أمرِهم، أن ذلك ليس مما أَنْزَلتُه في التوراةِ ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾. يقولُ: إن كنتم محقِّين في دَعْواكم أن الله أَنْزَل تحريمَ ذلك في التوراة، فَأْتُونا بها، فاتْلُوا تحريمَ ذلك علينا منها.
وإنما ذلك خبرٌ من اللهِ عن كَذِبِهم؛ لأنهم لا يَجيئون بذلك أبدًا على صحَّتِه، فأَعْلَمَ اللهُ بكذِبهم عليه نبيَّه ﷺ، وجعل إعلامه إيَّاه ذلك حجَّةً له عليهم؛ لأن ذلك إذ كان يَخْفى على كثيرٍ من أهلِ ملَّتِهم، فمحمدٌ ﷺ وهو أُميٌّ من غير ملَّتِهم، لولا أن الله أَعْلَمَه ذلك بوحيٍ من عندِه - كان أَحْرَى أَلا يَعْلَمَه، فكان في ذلك له ﷺ من أعظمِ الحجَّةِ عليهم بأنه نبيٌّ للهِ إليهم؛ لأن ذلك من أخبارِ أوائلِهم، كان من خَفِيِّ علومِهم الذي لا يعلَمُه غيرُ خاصَّةٍ منهم، إِلَّا من أَعْلَمَه الذي لا يَخْفَى عليه خافيةٌ؛ مِن نبيٍّ أو رسولٍ، أو مَن أَطْلَعه اللهُ على علمِه ممَّن شَاء مِن خَلْقِه.