للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ [المنافقون: ١]. وقد ذُكر أنَّ هذه الآيةَ نزَلت في رجلٍ منهم عاتَبه رسولُ اللهِ على أَمْرٍ بلَغه عنه، فَحَلَف كَذِبًا.

ذكرُ الخبرِ الذي رُوي بذلك

حدَّثنا ابنُ المثنى، قال: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن سِماكٍ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ، قال: قال رسولُ اللَّهِ : "يَدْخُلُ عليكم رجلٌ يَنظُرُ بعين شيطانٍ، أو بعَيْنَى شيطانٍ". قال: فدَخَل رجلٌ أزرقُ، فقال له: "علامَ تَسُبُّني أو تَشْتُمُني؟ ". قال: فجعَل يَحْلِفُ. قال: فنزَلت هذه الآيةُ التي في "المجادلةِ": ﴿وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾، والآيةُ الأخرى (١).

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٥) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (١٦)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: أعدَّ اللَّهُ لهؤلاءِ المنافقين الذين تولَّوُا اليهودَ عذابًا في الآخرةِ شديدًا، ﴿إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ في الدنيا؛ بغِشِّهم المسلمين، ونُصْحِهم لأعدائِهم مِن اليهودِ.

وقولُه: ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً﴾. يقولُ جلّ ثناؤُه: جعَلوا حَلِفَهم وأيمانَهم جُنَّةً يَسْتَجِنُّون بها مِن القتلِ، ويَدْفعون بها عن أنفسِهم وأموالِهم وذرارِيِّهم. وذلك أنهم إذا اطُّلِع منهم على النفاقِ، حلَفوا للمؤمنين باللَّهِ إنهم لمنهم، ﴿فَصَدُّوا عَنْ


(١) أخرجه البزار (٢٢٧٠ - كشف) عن ابن المثنى به. وأخرجه أحمد ٤/ ٤٨ (٢١٤٧)، والطبراني (١٢٣٠٩) من طريق محمد بن جعفر به. وأخرجه أحمد ٤/ ٢٣١، ٢٣٢، ٥/ ٣١٦ (٢٤٠٧، ٢٤٠٨، ٣٢٧٧) والحاكم ٢/ ٤٨٢، والبيهقي في الدلائل ٥/ ٢٨٢، والواحدي في أسباب النزول ص ٣٠٩، وأخرجه كذلك ابن أبي حاتم في تفسيره، وابن مردويه - كما في تخريج الكشاف للزيلعي ٣/ ٤٣٢ من طريق سماك بنحوه، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ١٨٦ إلى ابن المنذر.