وقد كان فريقٌ منهم يُحَرِّفون كلامَ اللهِ مِن بعدِ ما عقَلوه وهم يَعْلَمون. ولكنه جل ثناؤُه أخْبَر عن خاصٍّ من اليهودِ كانوا أُعْطوا، مِن مُباشَرَتِهم سَماعَ كلامِ اللهِ تعالى، ما لم يُعْطَه أحدٌ غيرُ الأنبياءِ والرُّسُلِ، ثم بدَّلوا وحرَّفوا ما سمِعوا مِن ذلك، فلذلك وصَفهم بما وصَفهم به للخصوصِ الذى كان خَصَّ به هؤلاء الفريقَ الذى ذكَرهم في كتابِه تعالى ذِكْرُه.
ويعنى بقولِه: ﴿ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ﴾: ثم يُبَدِّلون مَعْناه وتأويلَه ويُغَيرونه. وأصلُه مِن انحرافِ الشئِ عن جهتِه، وهو ميلُه عنها إلى غيرِها، فكذلك قولُه: ﴿يُحَرِّفُونَهُ﴾. أى: يُمِيلونه عن وجهِه ومَعْناه الذى هو مَعْناه إلى غيرِه. فأخْبَر اللهُ جل ثناؤُه أنهم فعَلوا ما فعَلوا مِن ذلك على علمٍ منهم بتأويلِ ما حرَّفوا، وأنه بخلافِ ما حرَّفوه إليه، فقال: ﴿يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ﴾. يعنى: مِن بعدِ ما عقَلوا تأويلَه ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾. أى: يَعْلَمون أنهم في تحرِيفِهم ما حرَّفوا مِن ذلك مُبْطِلون كاذِبون. وذلك إخْبارٌ مِن اللهِ جلَّ ثناؤُه عن إقدامِهم على البُهتِ، ومُناصَبتِهم العداوةَ له ولرسولِه موسى ﷺ، وأن بقاياهم -مِن مُناصَبتِهم العداوةَ للهِ ولرسولِه محمدٍ ﷺ بغيًا وحسدًا- على مثلِ الذى كان عليه أوائلُهم مِن ذلك فى عصرِ موسى ﵊.
أما قولُه: ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا﴾. فإنه خبرٌ مِن اللهِ جل ذِكْرُه عن الذين أيْأَس أصحابَ محمدٍ ﷺ مِن إيمانهم -مِن يهودِ بنى إسرائيلَ الذين كان فريقٌ منهم يَسْمَعون كلامَ اللهِ ثم يُحرِّفونه مِن بعدِ ما عَقَلوه وهم يَعْلَمون- وهم الذين إذا لقُوا الذين آمنوا باللهِ ورسولِه محمدٍ ﷺ قالوا: آمنّا. يعنى