للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذِكْرُه إنما عَنَى بذلك مَن سمِع كلامَه مِن بنى إسرائيلَ سماعَ موسى إياه منه، ثم حرَّف ذلك وبدَّل مِن بعدِ سماعِه وعلمِه به وفهمِه إياه. وذلك أن اللهَ جل ثناؤُه إنما أخْبَر أن التحريفَ كان مِن فريقٍ منهم كانوا يَسْمَعون كلامَ اللهِ ﷿، اسْتِعْظامًا مِن اللهِ لِما كانوا يَأْتون مِن البهتانِ بعد توكيدِ الحجةِ عليهم والبرهانِ، وإيذانًا منه تعالى ذِكْرُه عبادَه المؤمنين، وقطَع أطماعَهم مِن إيمانِ بقايا نسلِهم بما أتاهم به محمدٌ مِن الحقِّ والنورِ والهُدَى، فقال لهم: كيف تَطْمَعون في تصديقِ هؤلاء اليهودِ إياكم، وإنما تُخْبِرونهم -بالذى تُخْبِرونهم مِن الأنْباءِ عن اللهِ ﷿ عن غيبٍ لم يُشاهِدوه ولم يُعاينِوه، وقد كان بعضُهم يَسْمَعُ مِن اللهِ كلامَه وأمْرَه ونهيَه، ثم يُبَدِّلُه ويُحَرِّفُه ويَجْحَدُه، فهؤلاء الذين بينَ أَظْهُرِكم مِن بقايا نسلِهم أحْرَى أن يَجْحَدوا ما أَتَيْتُموهم به مِن الحقِّ وهم لا يَسْمَعونه مِن اللهِ، وإنما يَسْمَعونه منكم -وأقربُ إلى أن يُحَرِّفوا ما في كُتُبِهم مِن صفةِ نبيِّكم محمدٍ ونعتِه، ويُبَدِّلوه وهم به عالمون، فيَجْحَدوه ويُكَذِّبوا- مِن أوائلِهم الذين باشَروا كلامَ اللهِ مِن اللهِ جل ثناؤُه ثم حرَّفوه مِن بعدِ ما عقَلوه وعلِموه، مُتَعمِّدين التحريفَ.

ولو كان تأويلُ الآيةِ على ما قاله الذين زعَموا أنه عَنَى بقولِه: ﴿يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللهِ﴾: يَسْمَعون التوراةَ. لم يَكُنْ لِذِكْرِ قولِه: ﴿يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللهِ﴾. مَعْنًى مَفْهومٌ؛ لأن ذلك قد سمِعه المُحرِّفُ منهم وغيرُ المُحرِّفِ، فخصوصُ المحرِّفِ منهم بأنه كان يَسْمَعُ كلامَ اللهِ -إن كان التأويلُ على ما قاله الذين ذكَرنا قولَهم دونَ غيرِهم ممن كان يَسْمَعُ ذلك سماعَهم- لا مَعْنَى له.

فإن ظنَّ ظانٌّ إنما صَلَح أن يُقالَ ذلك لقولِه: ﴿يُحَرِّفُونَهُ﴾. فقد أغْفَل وجهَ الصوابِ في ذلك، وذلك أن ذلك لو كان كذلك لقِيلَ: أفتَطْمَعون أن يُؤْمِنوا لكم