للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليهم في الآية إن نَزَّلها من البلاء، ولا يَدْرُون ما وجه ترك الله (١) إنزال ذلك عليك، ولو علموا السببَ الذي من أجله لم أُنَزِّلْها عليك، لم يَقُولوا ذلك ولم يَسْأَلُوكه، ولكنَّ أكثرهم لا يَعْلَمون ذلك.

القول في تأويل قوله: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (٣٨)﴾.

يقولُ تعالى ذكره لنبيِّه محمدٍ : قل لهؤلاء المعرِضِين عنك، المُكَذِّبِين بآياتِ اللهِ: أَيُّها القومُ، لا تَحْسَبَنَّ الله غافلًا عما تَعْمَلون، أو أنه غيرُ مُجازيكم على ما تَكْسِبون، وكيف يَغْفُلُ عن أعمالِكم، أو يَتْرُكُ مُجازاتَكم عليها، وهو غيرُ غافل عن عملِ شيءٍ دبَّ على الأرضِ صغيرٍ أو كبيرٍ، ولا عملِ طائرٍ طار بجَناحَيْه في الهواء، بل جعَل ذلك كلَّه أجْناسًا مُجَنَّسةً، وأصنافًا مُصَنَّفَةً، تَعْرِفُ كما تَعْرِفون، وتَتَصَرَّفُ فيما سُخِّرَت له كما تَتَصَرَّفون، ومحفوظٌ عليها ما عمِلَت مِن عمل لها وعليها، ومُثْبَتٌ كلُّ ذلك من أعمالِها في أُمِّ الكتاب [ثمَّ إِنَّه] (٢) تعالى ذكره مميتُها ثُمَّ مُنْشِرُها ومُجَازِيها يومَ القيامةِ جزاء أعمالِها، يقولُ: فالربُّ الذي لم يُضيِّعْ حفظَ أعمال البهائم والدوابِّ في الأرضِ، والطيرِ في الهواءِ، حتى حفِظ عليها حركاتِها وأفعالَها، وأثبَت ذلك منها في أمِّ الكتاب، وحشَرها ثم جازاها على ما سلَف منها في دار البلاءِ (٣)، أحْرَى ألَّا يُضَيِّعَ أعمالَكم، ولا يُفَرِّطَ في حِفْظِ أفعالِكم التي تَجْتَرِحُونها أيُّها الناسُ، حتى يَحْشُرَكم فيُجازيَكم على جميعِها إن خيرًا فخيرًا، وإن شرًّا فشرًّا، إذ كان قد خصَّكم مِن نِعَمِه، وبسَط عليكم مِن فضلِه، ما لم يَعُمَّ به غيرَكم في الدنيا، وكنتم بشكره أحقُّ، وبمعرفةِ واجبِه عليكم أولى؛ لما أعطاكم مِن


(١) سقط من: م.
(٢) سقط من: ص ت ١، س.
(٣) في ت ١: "الإسلام".