للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنه يقولُ: ولكن أنا أقولُ: هو الله ربِّى، ﴿وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا﴾.

وفي قراءةِ ذلك وجهان؛ أحدهما: ﴿لَكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي﴾ بتشديدِ النونِ وحذفِ الألفِ في حالِ الوصلِ، كما يقالُ: أنا قائمٌ. فتُحذَفُ الألفُ من "أنا"، وذلك قراءةُ عامةِ قرأةِ أهلِ العراقِ (١). وأما في الوقفِ فإن القرأةَ كلَّها تُثْبِتُ فيها الألفَ؛ لأن النونَ إنما شُدِّدت لاندغامِ النونِ من "لَكِنْ"، وهى ساكنةٌ في النونِ التي من "أنا"، إذ سقَطَت الهمزةُ التى في "أنا"، فإذا وُقِف عليها ظهَرت الألفُ التي في "أنا"، فقيل: لكنَّا؛ لأنه يقالُ في الوقف على "أنا" بإثباتِ الألفِ لا بإسقاطِها، وقرَأ ذلك جماعةٌ من أهلِ الحجازِ: ﴿لَكِنَّا﴾ بإثباتِ الألفِ في الوصلِ والوقفِ (٢)، وذلك وإن كان مما يُنْطَقُ به في ضرورةِ الشعرِ، كما قال الشاعرُ (٣):

أنا سيفُ العشيرةِ فاعْرِفوني … حُمَيدًا قد تَذَرَّيْتُ السَّناما

فأثبَتَ الألفَ في "أنا" -فليس ذلك بالفصيحِ من الكلامِ.

والقراءةُ التي هي القراءةُ الصحيحةُ عندَنا ما ذكَرنا عن العراقيين، وهو حذفُ الألفِ من ﴿لَكِنَّا﴾ في الوصلِ، وإثباتُها في الوقفِ.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (٣٩)﴾.

يقولُ عزَّ ذكرُه: وهلَّا إذ دخَلْتَ بستانَك، فأعجَبك ما رأَيتَ منه، قلتَ: ما شاء اللهُ كان. وفى الكلامِ محذوفٌ استُغْنِى بدلالةِ ما ظهَر عليه منه، وهو جوابُ


(١) وهى قراءة ابن كثير وأبي عمرو وعاصم وحمزة والكسائي ونافع. التيسير ص ١١٧.
(٢) هي قراءة أبي جعفر -وهى متواترة- وابن عامر. النشر ٢/ ٢٣٣.
(٣) البيت لحميد بن حريث بن بحدل، وهو في الخزانة ٥/ ٢٤٢.