للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكَرْنا معناها، وخرَج هذا الكلامُ مِن قولِ إبراهيمَ وإسماعيلَ على وجهِ المسألةِ منهما ربَّهما لأنفسِهما، وإنما ذلك منهما مسألةُ ربِّهما لأنفسِهما وذُرِّيَّتِهما المسلمين، فلمَّا ضمَّا ذُرِّيَّتَهما المسلمين إلى أنفسِهما صارا كالمُخْبِرين عن أنفسِهما بذلك. وإنما قلنا: إن ذلك كذلك، لتقدم الدعاءِ منهما للمسلمين مِن ذُرِّيَّتِهما قبلُ في أوَّلِ الآيةِ، وتأخرِه بعدُ في الآيةِ الأُخرى.

فأمَّا الذى في أوَّلِ الآيةِ فقولُهما: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾. ثم جَمَعَا أنفسَهما والأمَّةَ المسلمةَ مِن ذُرِّيَّتِهما في مسألتِهما ربَّهما أن يُرِيَهم مناسكَهم فقالا: ﴿وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا﴾.

وأمَّا الذى (١) في الآيةِ التى بعدَها: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾. فجعَلا المسألةَ لذُرِّيَّتِهما خاصَّةً.

وقد ذُكِر أنَّها في قراءةِ ابنِ مسعودٍ: (وأَرِهِمْ مَنَاسِكَهُمْ) (٢). يعنى بذلك: وأرِ ذُرِّيَّتَنا المسلمةَ مناسكَهم.

القولُ في تأويلِ قولِهِ جلَّ ثناؤه: ﴿وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨)﴾.

أمَّا التوبةُ فأصلُها الأَوْبَةُ مِن مكروهٍ إلى محبوبٍ، فتوبةُ العبدِ إلى ربِّه أوبتُه ممَّا يكرَهُه اللهُ منه بالندمِ عليه والإقلاعِ عنه، والعزمِ على تركِ العودِ فيه. وتوبةُ الربِّ على عبدِه عَوْدُه عليه بالعفوِ له عن جُرْمِه والصفحِ له عن عقوبةِ ذنبِه، مغفرةً منه له، وتَفَضُّلًا عليه.


(١) في م: "التى".
(٢) ينظر البحر المحيط ١/ ٣٩٠.