للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقولُ [عندى في ذلك أن تأويلَ (أرنا) بكسرِ الراءِ وتسكينِها] (١) واحدٌ؛ فمَن كسَر الراءَ جعَل علامةَ الجزمِ سقوطَ الياءِ التى في قولِ القائلِ: [أريتُه، أُرِيه] (٢). وأقرَّ الراءَ مكسورًا كما كانت قبلَ الجزمِ. ومَن سكَّن الراءَ مِن (أرْنا) توهَّم أن إعرابَ الحرفِ في الراءِ فسكَّنها للجزمِ (٣)، كما فعَلوا ذلك في "لم يكن" "ولم يكُ"، وسواءٌ كان ذلك مِن رؤيةِ العينِ، أو مِن رؤيةِ القلبِ، ولا معنى لفرقِ مَن فرَّق بين رؤيةِ العينِ في ذلك وبين رؤيةِ القلبِ.

وأمَّا "المناسكُ" فإنها جمعُ مَنْسِكٍ، وهو الموضعُ الذى يُنْسَكُ للهِ فيه، ويُتَقَرَّبُ إليه فيه بما يُرْضِيه مِن عملٍ صالحٍ؛ إمَّا بذبحِ ذبيحةٍ له، وإما بصلاةٍ أو طوافٍ أو سعْىٍ، وغيرِ ذلك مِن الأعمالِ الصالحةِ، ولذلك قيل لمشاعرِ الحجِّ: مناسكُه؛ لأنَّها أماراتٌ وعلاماتٌ يعتادُها الناسُ، ويَتَرَدَّدون إليها.

وأصلُ "المنسِك" في كلامِ العربِ: الموضعُ المعتادُ الذى يَعتادُه الرجلُ ويألفُه، يقال: إن لفلانٍ منسِكًا. وذلك إذا كان له موضعٌ يعتادُه لخيرٍ أو لشرٍّ، ولذلك سُمِّيت المناسكُ مناسكَ؛ لأنَّها تُعْتَادُ ويُتَرَدَّدُ إليها بالحجِّ والعمرةِ، وبالأعمالِ (٤) التى يُتَقَرَّبُ بها إلى اللهِ.

وقد قيل: إن معنى النسكِ: عبادةُ اللهِ، وإن الناسكَ إنما سُمِّى ناسكًا بعبادتِه ربَّه. فتأوَّل قائلُو هذه المقالةِ قولَه: ﴿وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا﴾: وعلِّمْنا عبادتَك كيف نعبُدُك، وأين نعبدُك، وما يُرْضِيك عنَّا فنفعلُه. وهذا القولُ وإن كان مذهبًا يحتمِلُه الكلامُ، فإن الغالبَ على معنى المناسكِ ما وصَفْنا قبلُ مِن أنَّها مناسكُ الحجِّ التى


(١) سقط من: م.
(٢) في م: "أرنيه".
(٣) في م: "في الجزم".
(٤) في الأصل: "للأعمال".