للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ : ﴿قُلْ﴾ لهؤلاء المشركين العادِلِين باللهِ، الذين يَدْعُونك إلى عبادةِ أوثانِهم: إن ربي نهاني عن عبادةِ شيءٍ سِواه، و ﴿إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي﴾ فعبَدْتُها، ﴿عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾. يعني: عذابَ يومِ القيامةِ. ووصَفه تعالى ذكرُه بالعِظَم؛ لعِظَمِ هَوْلِهِ وفَظاعةِ شأنِه.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (١٦)﴾.

اختَلَفتِ القرأَةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرَأَته عامَّةُ قرأةِ الحجازِ والمدينةِ والبصرةِ: ﴿مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ﴾. بضمِّ الياءِ وفتحِ الراءِ، بمعنى: مَن يُصْرَفُ عنه العذابُ يومَئِذٍ. وقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ الكوفةِ: (مَن يَصْرِفْ عنه). بفتحِ الياءِ وكسرِ الراءِ، بمعنى: مَن يَصْرِفِ اللهُ عنه العذابَ يومَئذٍ (١).

وأولى القراءتين (٢) في ذلك بالصوابِ عندى قراءةُ مَن قرَأه (يَصْرِفْ عنه). بفتحِ الياءِ وكسرِ الراءِ؛ لدَلالةِ قولِه: ﴿فَقَدْ رَحِمَهُ﴾. على صحةِ ذلك، وأن القراءةَ فيه بتسميةِ فاعلِه، ولو كانت القراءةُ في قولِه: ﴿مَنْ يُصْرَفْ﴾. على وجهِ ما لم يُسَمَّ فاعلُه، كان الوجهُ في قولِه: ﴿فَقَدْ رَحِمَهُ﴾. أن يقالَ: فقد رُحِم. غيرَ مُسَمًّى فاعلُه. وفي تسميةِ الفاعلِ في قولِه: ﴿فَقَدْ رَحِمَهُ﴾. دليل بَيِّنٌ على أن ذلك كذلك في قولِه: (من يَصْرِفْ عنه) (٣).


(١) القراءة الأولى قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم، والقراءة الثانية قراءة حمزة والكسائي وشعبة عن عاصم. انظر كتاب السبعة ص ٢٥٤.
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "القولين"، وفى س: "القراءتين القولين".
(٣) قال ابن عطية كما في البحر المحيط ٤/ ٨٧: وأما المعنى فالقراءتان واحد. ثم نقل عن أبي عمرو الزاهد في كتاب اليواقيت أن أبا العباس أحمد بن يحيى ثعلبا كان لا يرى التراجيح بين القراءات السبع. وقال ثعلب: إذا اختلف الإعراب في القرآن عن السبعة لم أفضل إعرابا على إعراب في القرآن.