للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو جعفرٍ : يقولُ تعالى ذكرُه: مفاتِحُ الخيرِ ومغالِقُه كلُّها بيدِه، فما يفتَحِ اللهُ للناسِ من خيرٍ، فلا مُغلِقَ له، ولا مُمسِكَ عنهم؛ لأن ذلك أمرُه (١)، ولا يستطيع ردَّ (١) أمرِه أحدٌ، وكذلك ما يُغْلِقْ من خيرٍ عنهم، فلا يبسُطْه عليهم، ولا يفتحْه لهم، فلا فاتحَ له سواه؛ لأن الأمورَ كلَّها إليه وله.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ من قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ﴾. أي: من خيرٍ، ﴿فَلَا مُمْسِكَ لَهَا﴾ فلا يستطيعُ أحدٌ حبسَها (٢). ﴿وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ﴾.

وقال تعالى ذكرُه: ﴿فَلَا مُمْسِكَ لَهَا﴾. فأنَّث ﴿مَا﴾ لذكرِ الرحمةِ من بعدِه، وقال: ﴿وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ﴾. فذكَّر للفظ ﴿ما﴾؛ لأن (٣) لفظَه لفظٌ مذكرٌ، ولو أنَّث في موضعِ التذكيرِ للمعنى، وذكَّر في موضعِ التأنيثِ للَّفظِ جاز، ولكنَّ الأفصحَ من الكلامِ التأنيثُ، إذا ظهَر بعدُ ما يدلُّ على تأنيثِها، والتذكيرُ إذا لم يظهرْ ذلك

وقولُه: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾. يقولُ: وهو العزيزُ في نقمتِه ممن انتقَم منه من خلقِه، بحبسِ رحمتِه عنه وخَيراتِه، الحكيمُ في تدبيرِه خلقَه، وفتحِه لهم الرحمةَ إذا كان فتحُ ذلك صلاحًا، وإمساكِه إياه عنهم إذا كان إمساكُه حكمةً.


(١) سقط من: م، ت ١.
(٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٥/ ٢٤٤ إلى المصنف وعبد بن حميد وابن أبي حاتم.
(٣) في الأصل: "و".