للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منهم مُعْلِنَ النفاقِ [مُنافقًا، بل العفوُ عن ذلك مما] (١) لا وجهَ له معقولٌ؛ لأن العفوَ المفهومَ إنما هو صفْحُ المرءِ عما له قِبَلَ غيرِه مِن حقٍّ، وتسميةُ المنافقِ باسمِه ليس بحقٍّ لأحدٍ قِبَلَه، فيُؤْمَرَ بعفوِه عنه، وإنما هو اسمٌ له، وغيرُ مفهومٍ الأمرُ بالعفوِ عن تسميةِ الشيءِ بما هو اسمُه.

القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (١٥٠) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (١٥١)﴾.

قال أبو جعفرٍ، : يعنى بذلك جلّ ثناؤُه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ﴾ مِن اليهودِ والنصارى، ﴿وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ﴾: بأن يُكَذِّبوا رسلَ اللهِ الذين أَرْسَلَهم إلى خلقِه بوحيِه، ويَزْعُمون أنهم افْتَرَوْا على ربِّهم، وذلك هو معنى إرادتِهم التفريقَ بينَ اللهِ ورسلِه، بنِحْلتِهم (٢) إياهم الكذبَ والفِرْيةَ على اللهِ، وادِّعائِهم عليهم الأباطيلَ، ﴿وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ﴾. يعنى أنهم يقولون: نُصَدِّقُ بهذا وتُكذِّبُ بهذا، كما فعَلَت اليهودُ مِن تكذيبِهم عيسى ومحمدًا صلَّى اللهُ عليهما وسلَّم وتصديقِهم بموسى وسائرِ الأنبياءِ قبلَهما (٣) بزعمِهم، وكما فعَلَت النصارى من تكذيبِهم محمدًا وتصديقِهم بعيسى وسائرِ الأنبياءِ قبلَه بزعمِهم، ﴿وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا﴾. يقولُ: ويُرِيدُ المُفَرِّقون بينَ اللهِ ورسلِه، الزاعِمون أنهم يُؤْمِنون ببعضٍ، ويَكْفُرون


(١) في ص: "مقابل العفو عن ذلك بما".
(٢) في الأصل: "منحلهم".
(٣) في م: "قبله".