للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شكرًا منكم له على ما كان منه من حَسَنٍ إليكم، ﴿أَوْ تُخْفُوهُ﴾. يقولُ: أَو تَتْرُكوا إظهارَ ذلك فلا تُبْدوه، ﴿أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ﴾. يقول: أو تَصْفَحوا لمَن أساء إليكم عن إساءتِه، فلا تَجْهَرُوا له بالسوءِ مِن القولِ الذى قد أَذِنْتُ لكم أن تَجْهَروا له به ﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا﴾ يقولُ: لم يَزَلْ ذا عفوٍ عن خلْقِه، يَصْفَحُ لهم (١) عمَّن عَصَاه وخالَف أمرَه، ﴿قَدِيرًا﴾. يقولُ: ذا قُدْرةٍ على الانتقامِ منهم.

وإنما يعنى بذلك: أن اللهَ لم يَزَلْ ذَا عَفْوٍ عن عبادِه معَ قدرتِه على عقابِهم على معصيتِهم إياه.

يقولُ: فاعفُوا أنتم أيضًا أيُّها الناسُ عمَّن أتَى إليكم ظلمًا، ولا تَجْهروا له بالسوءِ مِن القولِ، وإن قدَرْتُم على الإساءةِ إليه، كما يَعْفُو عنكم ربُّكم، مع قدرتِه على عقابِكم، وأنتم تَعْصُونه وتُخالِفون أمرَه.

وفي قولِه جل ثناؤُه: ﴿إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (١٤٩)﴾. الدلالةُ الواضحةُ على أن تأويلَ قولِه: ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾. يخالفُ (٢) التأويلَ الذى تأوَّله زيدُ بنُ أسلمَ في زعمِه أن معناه: لا يُحِبُّ اللهُ الجهرَ بالسوءِ مِن القولِ لأهلِ النفاقِ، إلا لمَن أقام على نفاقِه، فإنه لا بأسَ بالجهرِ له بالسوءِ مِن القولِ، وذلك أنه جل ثناؤُه قال عَقِيب ذلك: ﴿إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ﴾. ومعقولٌ أن اللهَ جل ثناؤُه لم يَأْمُرِ المؤمنين بالعفوِ [للمنَافقِين عن] (٣) نفاقِهم، ولا نهاهم أن يُسَمُّوا (٤) مَن كان


(١) في الأصل: "له".
(٢) فى ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "بخلاف".
(٣) فى م: "عن المنافقين على".
(٤) في ص: "يشتموا".