للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإنَّ الواجبَ من الفرائض قد أَجْمَع الجميعُ على أن الفضل في إعلانِه وإظهاره، سوى الزكاة التي ذكَرنا اختلافَ المختلفين فيها، مع إجماع جميعهم على أنها واجبةٌ، فحكمُها في أن الفضل في أدائِها علانيةً حكمُ سائر الفرائض غيرها.

القولُ في تأويل قوله جل ثناؤُه: ﴿وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾.

اختلفت القرَأَةُ في قراءة ذلك؛ فرُوى عن ابن عباسٍ أنه كان يقرؤُه: (وتُكفِّرَ عنكم) بالتاء (١). ومن قرأه كذلك، فإنه يعنى به: وتُكفِّرُ الصدقاتُ عنكم من سيئاتكم.

وقرأ آخَرون: ﴿وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ﴾. بالياء (٢). بمعنى: ويكفِّرُ الله عنكم بصدقاتِكم، على ما ذكر في الآية من سيئاتِكم.

وقرأ ذلك بعدُ عامّة قرأَةِ أهل المدينة والكوفة والبصرة: (وَنُكَفِّرْ عنكم). بالنون وجَزْمِ الحرفِ (٣)، بمعنى: وإن تُخْفُوها وتُؤْتُوها الفقراء، نكفِّر عنكم من سيئاتكم. بمعنى مجازاةِ اللهِ ﷿ مُخْفِيَ الصدقة بتكفير بعض سيئاته بصدقته التي أخفاها.

وأولى القراءاتِ في ذلك عندَنا بالصواب قراءة من قرأ: (وَنُكَفِّرْ عنكم). بالنون وجزم الحرف، على معنى الخبر من الله جلّ ثناؤه عن نفسه أنه يُجازي المخفي صدقتَه التطوُّع؛ ابتغاء وجهه من صدقته، بتكفير سيئاته. وإذا قُرِئ كذلك فهو مجزومٌ على [النَّسْقِ على] (٤) موضع الفاء في قوله: ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾. لأن الفاء هنالك حلَّت محَلَّ جوابِ الجزاء.

فإن قال لنا قائلٌ: وكيف اخترتَ الجزمَ على النَّسْق على موضع الفاء، وتركت


(١) ينظر البحر المحيط ٢/ ٣٢٥، وهى قراءة شاذة، لم يقرأ بها أحد من العشرة.
(٢) وهى قراءة ابن عامر وحفص. حجة القراءات ص ١٤٨.
(٣) وهى قراءة نافع وحمزة والكسائي، ولم يذكر المصنف قراءة من قرأ بالنون ورفع الراء، وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وأبى بكر. المصدر السابق ص ١٤٧، ١٤٨.
(٤) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣.