للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسالةَ ربِّك، فإِنَّ الله قد بعثَك فيهم نبيًّا. فلما أتاهم كذَّبوه وقالوا: اسْتَعْجَلْت بالنبوَّةِ ولم تَئِنْ لك. وقالوا: إن كنْت صادقًا فابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ في سبيلِ اللهِ، آيةً من نبوَّتِك، فقال لهم شمعونُ: عسَى إن كُتِبَ عليكم القتالُ ألا تُقَاتِلوا (١).

قال أبو جعفرٍ: وغيرُ جائزٍ في قولِ اللهِ تعالى ذكرُه: (نُقَتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ). إذا قُرِئَ بالنونِ غيرُ الجزمِ، على معنى المجازاةِ وشرْطِ الأمرِ. فإن ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ الرَفْعَ فيه جائزٌ وقد قُرِئَ بالنونِ، بمعنى الذي نُقاتِلُ به (٢) في سبيلِ اللهِ. فإن ذلك غيرُ جائزٍ؛ لأن العرب لا تُضْمِرُ حرفين، ولكنْ لو كان قُرِئ ذلك بالياءِ لجازَ رفعُه؛ لأنه يكونُ لو قُرئَ كذلك صلة لـ "الملكِ"، فيصيرُ تأويلُ الكلامِ حينئذٍ: ابْعَثْ لنا الذي يُقَاتِلُ في سبيلِ اللهِ. كما قال تعالى ذكرُه: ﴿وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ﴾. لأن قولَه: ﴿يَتْلُو﴾ مِن صلةِ "الرسولِ".

القول في تأويلِ قولِه: ﴿قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٢٤٦)﴾.

يَعْنى تعالى ذكرُه بذلك: قال النبيُّ الذي سألوه أن يَبْعَثَ لهم ملِكًا يُقَاتِلُوا في سبيلِ اللهِ: ﴿هَلْ عَسَيْتُمْ﴾: هل تَعِدُون ﴿إِنْ كُتِبَ﴾ يعنى:: إِن فُرِض عليكم القتالُ، ﴿أَلَّا تُقَاتِلُوا﴾ يعنى: ألا تَفُوا بما تعِدون الله من (٣) أنفسِكم مِن


(١) بعده في م: "والله أعلم".
والأثر أخرجه المصنف في تاريخه ١/ ٤٦٧، ٤٦٨ مطولًا بإسناد السدى المعروف، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٤٦٣ (٢٤٤٦، ٢٤٤٧) من طريق عمرو به مقتصرا على آخره.
(٢) سقط من النسخ، وينظر معاني القرآن ١/ ١٥٧.
(٣) في س: "في".