للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حتى تهَجَّرَ في الرَّواحِ وهَاجَهُ … طَلَبَ المُعَقِّبِ حَقَّه المظلومُ

والمعقباتُ جمعُها، ثم قال: ﴿يَحْفَظُونَهُ﴾. فردَّ الخبرَ إلى تذكيرِ الحرسِ والجندِ.

وأما قولُه: ﴿يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾. فإن أهلَ العربيةِ اختلَفوا في معناه؛ فقال بعضُ نحويِّي الكوفةِ: معناه: له معقباتٌ من أمرِ اللَّهِ يَحْفَظُونه، وليس من أمرِه، إنما هو تقديمٌ وتأخيرٌ. قال: ويَكُونُ يَحْفَظونه ذلك الحفظَ مِن أمرِ اللَّهِ وبإذنِه، كما تقولُ للرجلِ: أجَبتُك مِن دعائِك إياى، وبدعائِك إياى.

وقال بعضُ نحويِّى البصريين: معنى ذلك: يَحْفَظونه عن أمرِ اللَّهِ، كما قالوا: أطعَمنى مِن جوعٍ وعن جوعٍ، وكسانى من عُرْىٍ وعن عُرْىٍ.

وقد دلَّلنا فيما مضَى على أن أولى القولِ بتأويلِ ذلك: أن يكونَ قولُه: ﴿يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ مِن صفةِ حَرَسِ هذا المسْتَخفِى بالليلِ، وهى تَحْرُسُه ظنًّا منها أنها تَدْفَعُ عنه أمرَ اللَّهِ، فأخبَر تعالى ذكرُه، أن حَرَسَه تلك لا تُغْنِى عنه شيئًا إذا جاءه أمرُه، فقال: ﴿وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ﴾.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (١٢) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (١٣)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ﴾: يعنى أن الربَّ هو الذي يُرِى عبادَه البَرقَ. وقولُه: ﴿هُوَ﴾ كنايةُ اسمِه جلَّ ثناؤُه. وقد بيَّنا معنى البرقِ فيما مضَى، وذكَرنا اختلافَ أهلِ التأويلِ فيه، بما أغْنَى عن إعادتِه في هذا