للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال بعضُ نحويِّى الكوفةِ: إنما هي ملائكةٌ مُعَقِّبةٌ، ثم جُمِعت معقباتٍ، فهو جمعُ جمعٍ، ثم قيل: يَحْفَظُونه؛ لأنه للملائكةِ.

وقد تقدَّم قولُنا في معنى المستخفى بالليلِ والساربِ بالنهارِ.

وأما الذي ذكرناه عن نحويِّى البصريين في ذلك فقولٌ - وإن كان له في كلامِ العربِ وجهٌ - خلافٌ لقولِ أهلِ التأويلِ، وحَسْبُه (١) من الدلالةِ على فسادِه خروجُه عن قولِ جميعِهم.

وأما المعقباتُ، فإن التعقيبَ في كلامِ العربِ العَودُ بعدَ البدءِ، والرجوعُ إلى الشئِ بعدَ الانصرافِ عنه، من قولِ اللَّهِ: ﴿وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾ [النمل: ١٠]، أي: لم يَرْجِعْ، وكما قال سَلَامةُ بنُ جَنْدلٍ (٢):

وكَرُّنا الخيلَ في آثارِها رُجُعًا … كُسَّ السَّنابِكِ من بدءٍ وتَعقيبِ

يعنى: في غزوٍ ثانٍ عَقَّبوا؛ وكما قال طَرَفَةُ (٣):

ولقد كنتُ عليكم عاتِبًا … فعَقَبْتُم بِذَنُوبٍ غيرِ مُرّْ

يعنى بقولِه: عَقَبتم: رجَعْتم.

وأتاها التأنيثُ عندَنا، وهى من صفةِ الحَرَسِ الذين يحرُسُون المستخفىَ بالليلِ والساربَ بالنهارِ؛ لأنه عُنِى بها حَرَسٌ معقِّبةٌ، ثم جُمِعت المعقبةُ، فقيل: معقباتٌ. فذلك جمعُ جمعِ المعقِّبِ، والمعقبُ: واحدُ المعقبةِ، كما قال لبيدٌ (٤):


(١) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "حسب".
(٢) المفضليات ص ١٢١ وشرح المفضليات ص ٢٢٧. الكس: جمع أكس، وهو الحافر المدقوق دقًّا شديدًا، والسُّنبك: طرف الحافر وجانباه من قُدُم. اللسان (ك س س)، (س ن ب ك).
(٣) ديوانه ص ٧٢.
(٤) ديوانه ص ١٢٨.