للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معنى ذلك؛ لما قد تقدَّم مِن الدليل قبلُ على أنَّ معناه: فمن عمل. وذلك دلالةُ قولِه: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ﴾ على ذلك، ولكن لما كان مفهومًا معنى الكلامِ عندَ السامعين، وكان في قولِه: ﴿يَعْمَلْ﴾ حثٌ لأهل الدنيا على العمل بطاعةِ اللَّهِ، والزجرِ عن معاصيه، مع الذي ذكرتُ مِن دلالةِ الكلام قبلَ ذلك، على أنَّ ذلك مرادٌ به الخبر عن ماضي فعلِه، وما لهم على ذلك - أُخرج (١) الخبرُ على وجْهِ الخبرِ عن مستقبلِ الفعلِ.

وبنحوِ الذي قلنا مِن أنَّ جميعهم يَرَوْن أعمالهم، قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنى عليٌّ، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابنُ عباسٍ في قولِه: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾. قال: ليس مؤمنٌ ولا كافرٌ عمِل خيرًا ولا شرًّا في الدنيا، إلا آتاه اللهُ إيَّاه؛ فأما المؤمنُ فيُريه حسناته وسيئاتِه فيغفرُ اللَّهُ له سيئاتِه، وأما الكافرُ فيَرُدُّ حسناتِه ويعذِّبُه بسيئاتِه (٢).

وقيل في ذلك غيرُ هذا القولِ؛ فقال بعضُهم: أما المؤمنُ فيُعجِّلُ له عقوبةَ سيئاتِه في الدنيا ويؤخِّرُ له ثوابَ حسناتِه، والكافرُ يعجِّلُ له ثوابَ حسناته ويؤخِّرُ له عقوبةَ سيئاتِه.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني موسى بن عبدِ الرحمنِ المسروقيُّ، قال: ثنا محمدُ بن بشرٌ، قال:


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "إخراج".
(٢) أخرجه البيهقى في البعث (٥٩) من طريق أبي صالح به، وعزاه السيوطى في الدر المنثور ٦/ ٣٨١ إلى ابن المنذر.