للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجلَّ دونَكم (١) فلا تعلَمونه، ويعلَمُ ما هو.

وأما قولُه: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾. فإنَّ أهلَ التأويلِ اختلَفوا في المعنَّى بقولِه: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾؛ فقال بعضُهم: عنَى بذلك: الذين سأَلُوا رسولَ اللَّهِ عن الرُّوحِ، وجميعَ الناسِ غيرَهم، ولكن لما ضمَّ غيرَ المخاطَبِ إلى المخاطَبِ (٢) خرَج الكلامُ على المخاطَبةِ؛ لأنَّ العربَ كذلك تفعلُ إذا اجتمَع في الكلامِ مخبَرٌ عنه غائِبٌ ومخاطَبٌ، أخرَجوا الكلامَ خطابًا للجمعِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، قال: ثنا محمدُ بنُ إسحاقَ، عن بعضِ أصحابِه، عن عطاءِ بن يَسارٍ، قال: نزَلت بمكةَ: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾. فلما هاجرَ رسولُ اللَّهِ إلى المدينةِ أتاه أحبارُ يهودَ، فقالوا: يا محمدُ، ألم يَبْلُغْنا أنك تقولُ: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ أفعَنَيْتَنا أم قومَك؟ قال: "كُلًّا قد عَنَيْتُ". قالوا: فإنَّك تتْلُو أَنَّا أُوتِينا التوراةَ، وفيها تِبيانُ كلِّ شيءٍ؟ فقال رسولُ اللَّهِ : "هي في علمِ اللَّهِ قليلٌ، وقد آتاكم ما إنْ عمِلْتُم (٣) به انتفَعْتُم". فأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ﴾ إلى قولِه: ﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٤)[لقمان: ٢٨].


(١) في ص، ف: "وبكم"، وفى ت ١: "وأنتم".
(٢) في ص، ت ١، ت ٢: "المخاطبة".
(٣) في ص، ت ٢، ف: "علمتم".
(٤) في ص، ت ١، ت ٢: "عليم".
والأثر ذكره ابن كثير في تفسيره ٥/ ١١٢ عن ابن إسحاق به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ٢٠٠ إلى المصنف وابن إسحاق، وعزاه في ٥/ ١٦٧ إلى ابن أبي حاتم، والاستشهاد في هذه المصادر بالآية ٢٧ من سورة لقمان دون الآية بعدها.