للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقولُه: ﴿فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يَامُوسَى مَسْحُورًا﴾. يقولُ: فقال لموسى فرعونُ: إني لأظنُّك يا موسى مُعاطًى (١) علمَ السِّحرِ، فهذه العجائب التي تفعلُها من سحرِك. وقد يجوزُ أن يكونَ مرادًا به: إنّى لأظُنُّك يا موسى ساحرًا. فوُضِع "مفعولٌ" موضعَ "فاعلٍ"، كما قيل: إنَّك مشئومٌ علينا وميمونٌ. وإنما هو شائمٌ ويامنٌ. وقد تأوَّل بعضُهم ﴿حِجَابًا مَسْتُورًا﴾ [الإسراء: ٤٥]. بمعنى: حجابًا ساتِرًا. والعربُ قد تُخرِجُ "فاعلًا" بلفظِ "مفعولٍ" كثيرًا.

القول في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (١٠٢)﴾.

اختلَفتِ القرَأَةُ في قراءة قولِه: ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ﴾؛ فقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ الأمصارِ: ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ﴾. بفتحِ التاءِ، على وجْهِ الخطابِ مِن موسى لفرعونَ (٢).

ورُوِى عن عليّ بن أبى طالبٍ رضوانُ الله عليه، في ذلك أنَّه قرَأ: (لَقَدْ عَلِمْتُ). بضمّ التاءِ (٣)، على وجْهِ الخبرِ من موسى عن نفسِه. ومَن قرَأ ذلك على هذه القراءةِ، فإنَّه ينبغى أن يكونَ على مذهبِه تأويلَ قولِه: ﴿إِنِّي لأَظُنُّكَ يَامُوسَى مَسْحُورًا﴾: إنى لأظُنُّك قد سُحِرت، فترَى أنَّك تتكلمُ بصوابٍ وليس بصواب.

وهذا وجه من التأويلِ، غيرَ أنَّ القراءةَ التي عليها قرَأَةُ الأمصارِ خلافُها، وغيرُ


(١) في م: "تتعاطى".
(٢) وهى قراءة نافع وابن كثير وعاصم وأبى عمرو وحمزة وابن عامر. ينظر السبعة لابن مجاهد ص ٣٨٦.
(٣) وبها قرأ الكسائى وهى متواترة. السابق ص ٣٨٥.
وأثرُ عليٍّ أخرجه الفراء في معاني القرآن ٢/ ١٣٢ بإسناده عن علي، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ٢٠٥ إلى سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم.
وقال البغوي في تفسيره ٥/ ١٣٤: ولا يثبت عن علي رفع التاء؛ لأنه روى عن رجل من مراد، عن علي، وذلك أن الرجل مجهول. وكذا قال أبو حيان في البحر المحيط ٦/ ٨٦ وسمى الرجل كلثوما.