للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جائز عندَنا خلافُ الحجةِ فيما جاءت به من القراءةِ مجمِعةً عليه.

وبعدُ، فإنَّ الله تعالى ذكرُه قد أخبَر عن فرعونَ وقومِه أنهم جحَدوا ما جاءَهم به موسى من الآياتِ التسعِ، مع علمِهم بأنَّها من عندِ اللَّهِ بقوله: ﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (١٢) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل: ١٢ - ١٤]. فأخبرَ جلَّ ثناؤه أنهم قالوا: هي سحرٌ. مع علمِهم واستِيقانِ أنفسِهم بأنَّها من عنِد الله، فكذلك قوله: ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ﴾ (١). إنما هو خبرٌ من موسى لفرعونَ بأنَّه عالمٌ بأَنَّها آياتٌ مِن عند الله.

وقد ذُكر عن ابن عباسٍ أنَّه احتَجَّ في ذلك بمثل الذي ذكَرْنا من الحُجةِ.

قال: حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنا هشيمٌ، قال: أخبَرنا أبو بشرٍ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ أنه كان يقرأُ: ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ﴾: يا فرعونُ. بالنصب، ﴿مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، ثم تلا: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ (٢).

فإذ كان ذلك كذلك، فتأويلُ الكلامِ: قال موسى لفرعونَ: ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ﴾ يا فرعونُ ﴿مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ﴾ الآياتِ التسعَ البيناتِ التي أريتُكها، حجةً لى على (٣) حقيقةِ ما أدْعُوك إليه، وشاهدةً لى على صدقى (٤) وصحَّةِ قوله: إنى للهِ رسولٌ (٥)


(١) ضبطت هذه الكلمة في ص، ت ٢ بضم التاء، وصواب السياق قبله وبعده أن تكون بفتح التاء كما أثبتناه.
(٢) أخرجه الفراء في معاني القرآن ٢/ ١٣٢ عن هشيم به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ٢٠٥ إلى المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٣) سقط من: ص، ت ١، ت ٢، ف.
(٤) في م، ت ١، ت ٢، ف: "صدق".
(٥) بعده في م: "ما"