للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان موسى غيرَ مَشْكوكٍ فيه، أنه كان بكلِّ ما أمَره اللهُ به راضيًا، وإلى محبتِه فيه مُسارِعًا، ومعقولٌ أن اللهَ تعالى لم يَعِدْ موسى ذلك إلا وموسى له (١) مُسْتَجِيبٌ، وإذ كان ذلك كذلك، فمعلومٌ أن اللهَ تعالى ذكرُه كان قد وعَد موسى الطورَ، ووعَده موسى اللقاءَ، فكان اللهُ عز ذكرُه لموسى واعدًا فواعِدًا له المُناجاةَ على الطُّورِ، وكان موسى واعدًا لربِّه مُواعِدًا له اللقاءَ، فبأىِّ القراءتَيْن مِن: "وعَد وواعَد" قرَأ القارئُ، فهو للحقِّ (٢) في ذلك -مِن جهةِ التأويلِ واللغةِ- مُصِيبٌ؛ لما وصَفْنا مِن العِلَل قبلُ.

ولا معنى لقولِ القائلِ: إنما تكونُ المُواعَدةُ بينَ البشرِ، وإن اللهَ بالوعدِ والوَعيدِ مُنْفَرِدٌ في كلِّ خيرٍ وشرٍّ. وذلك أن انفرادَ اللهِ بالوعدِ والوَعيدِ في الثوابِ والعِقابِ، والخيرِ والشرِّ، والنفعِ والضَّرِّ، الذى هو بيدِه، وإليه دونَ سائرِ خلقِه - لا يُحِيلُ الكلامَ الجارىَ بينَ الناسِ في استعمالِهم إياه عن وُجوهِه، ولا يُغَيِّرُه عن مَعانيه. والجارى بينَ الناسِ مِن الكلامِ المفهومِ ما وصَفْنا، مِن أنّ كلَّ اتِّعادٍ (٣) كان بينَ اثنين، فهو وعدٌ مِن كُلِّ واحدٍ منهما، ومُواعَدةٌ بينَهما، وأن كلَّ واحدٍ منهما واعِدٌ صاحبَه مُواعِدُه (٤)، وأن الوعدَ، الذى يكونُ به الانفرادُ مِن الواعِدِ دونَ الموعودِ، إنما هو ما كان بمعنى الوعدِ الذى هو خلافُ الوَعيدِ.

القولُ في تأويلِ قولِه جلّ وعزّ: ﴿مُوسَى﴾.

قال أبو جعفرٍ: وموسى -فيما بلَغَنا- كلِمتان بالقِبْطيةِ، يُعْنَى بهما: ماءٌ وشجرٌ. فـ "مو": هو الماءُ، و"سا": هو الشجرُ. وإنما سُمِّى بذلك -فيما


(١) في ر: "له إليه"، وفى م: "إليه".
(٢) في م: "الحق".
(٣) في م: "إيعاد".
(٤) في ص، ر، م: "مواعد".