للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنه يقالُ: فتَنتُ الذهبَ في النارِ -إذا امتَحنتَها لتعرِفَ جَوْدَتَها مِن رَداءتِها- أفتِنُها (١) فتنةً وفتونًا.

كما حدَّثنا بشرُ بنُ معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ﴾. أى: بلاءٌ (٢).

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾.

وقولُه جلَّ ثناؤُه: ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا﴾. خبرٌ مبتدأٌ عن المتعلِّمين مِن الملَكَين ما أُنزِل عليهما، وليس بجوابٍ لقولِه: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ﴾. بل هو خَبرٌ مستأنفٌ، فلذلك رفِع فقيل: ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ﴾. فمعنى الكلامِ إذن: وما يعلِّمان مِن أحدٍ حتى يقولا: إنما نحنُ فتنةٌ. فيأبَون قبولَ ذلك منهما، فيتعلَّمون منهما ما يفرِّقون به بينَ المرءِ وزوجِه.

وقد قيل: إن قولَه: ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ﴾. خبرٌ عن اليهودِ معطوفٌ على قولِه: ﴿وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾ - ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾ وجعَلوا ذلك مِن المؤخَّرِ الذى معناه التقديمُ.

والذى قلنا أشبهُ بتأويلِ الآيةِ؛ لأن إلحاقَ ذلك بالذى يليه مِن الكلامِ، ما كان للتأويلِ وجهٌ صحيحٌ، أولَى مِن إلحاقِه بما قد حِيل بينه وبينه من معْترَضِ الكلامِ.

والهاءُ والميمُ والألفُ، مِن قولِه: ﴿مِنْهُمَا﴾. من ذكرِ الملَكَين. ومعنى ذلك: فيتعلَّمُ الناسُ من الملَكَين الذى يفرِّقون به بينَ المرءِ وزوجِه.


(١) فى م، ت ١، ت ٢: "أفتنه". وقوله: "أفتنها". يريد القطعة من الذهب. كقوله: "امتحنتها. . .".
(٢) عزاه السيوطى فى الدر المنثور ١/ ١٠٣ إلى المصنف. وأخرجه ابن أبى حاتم فى تفسيره ١/ ١٩٢ (١٠١٢) من طريق أبي جعفر، عن قتادة.