للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكان - إذ كان الذي ذكَّرَهم فوَعَظهم به، ونهاهم عن أن يَرْكَبُوا مِن الفعلِ مثلَه، ميثاقَ قومِ أخَذ مَيثاقَهم بعدَ إرْسالِ الرسولِ إليهم، وإنْزالِ الكتابِ عليهم - واجبًا أن يَكونَ الحالُ التي أخَذ فيها الميثاقَ، والموعوظين، نظيرَ حالِ الذين وُعِظوا بهم. وإذا كان ذلك كذلك، كان بيِّنًا صحةُ ما قلْنا في ذلك وفسادُ خلافِه.

وأما قولُه: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾. فإنه وعيدٌ مِن اللهِ جلَّ اسمُه للمؤمنين كانوا (١) برسولِه مِن أصحابِه، وتَهَدُّدٌ (٢) لهم أن يَنْقُضوا ميثاقَ اللهِ الذي واثَقَهم به في رسولِه، وعهدَهم الذي عاهَدوه فيه، بأن يُضْمروا له خلاف ما أبْدَوا له بألسنتهم.

يقولُ لهم جلَّ ثناؤُه: واتقوا الله أيُّها المؤمنون، فخافُوه أن تُبدِّلوا عهدَه، وتَنْقُضوا ميثاقَه الذي واثَقَكم به، أو تُخالِفوا ما ضمِنْتُم له بقولِكم: ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾. بأن تُضْمِروا له غير الوَفاءِ بذلك في أنفسِكم، فإن اللَّهَ مُطَّلِعٌ على ضَمائرِ صُدورِكم، وعالمٌ بما تُخْفِيه نفوسكم، لا يَخْفَى عليه شيءٌ مِن ذلك، فيُحِلَّ بكم مِن عقوبته ما لا قِبَلَ لكم به، كالذى حلَّ بمَن قبلكم مِن اليهودِ مِن المَسْخِ وصُنوفِ النِّقَمِ، وتَصِيروا في مَعادِكم إلى سَخَطِ اللهِ وأليم عقابه.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا﴾.

يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: يا أَيُّها الذين آمَنوا باللهِ وبرسولِه محمدٍ، لِيَكُنْ مِن أخْلاقِكم وصِفاتِكم القيامُ اللهِ شُهداءَ بالعدلِ في أوليائِكم وأعدائِكم، ولا تَجُورُوا في أحْكامِكم وأفعالِكم، فتُجاوزوا ما حدَّدْتُ لكم في أعدائِكم لعَداوتهم لكم، ولا تُقَصِّروا فيما حدَّدْتُ لكم مِن أحكامي وحُدودى في أوليائِكم لولايتِهم لكم، ولكن


(١) في م: "الذين طافوا".
(٢) في م: "تهديدا".