للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأولى الأقْوالِ بالصوابِ في تأويلِ ذلك قولُ ابن عباسٍ، وهو أن معناه: ﴿وَاذْكُرُوا﴾ أَيُّها المؤمنون ﴿نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ لتي أنعَمها عليكم بهدايتِه إياكم للإسلامِ، ﴿وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ﴾. يعنى: وعهدَه الذي عاهَدَكم به حين بايَعْتُم رسولَه محمدًا على السمعِ والطاعةِ له في المَنِشَطِ والمَكْرَه، والعُسْرِ واليُسْرِ، ﴿إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا (١)﴾ ما قلْتَ لنا، وأخَذْتَ علينا مِن المَواثيقِ، وأطَعْناك فيما أمَرْتَنا به ونهَيْتَنا عنه. وأنْعَم عليكم أيضًا بتوفيقكم لقَبولِ ذلك منه بقولِكم له: ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾. يقولُ: ففُوا لِلَّهِ أَيُّها المؤمنون بميثاقِه الذي واثَقَكم به، ونعمتِه التي أنْعَم عليكم في ذلك بإقرارِكم على أنفسِكم بالسمعِ له والطاعةِ فيما أمَرَكم به، وفيما نهاكم عنه، يَفِ لكم بما ضمِن لكم الوفاءَ به - إذا أنتم وفَيْتُم له بميثاقه - مِن إتمام نعمته عليكم، وبإدْخالِكم جنته وبإنعامكم بالخلود في دارِ كرامتِه، وإنقاذِكم مِن عقابِه وأليمِ عذابِه.

وإنما قلْنا: ذلك أولى بالصوابِ مِن قولِ مَن قال: عنَى به الميثاق الذي أخَذ عليهم في صُلْبِ آدمَ صلواتُ اللهِ عليه. لأن اللَّهَ جلَّ ثناؤُه ذكَر بعَقِبِ تذكرةِ المؤمنين [ميثاقه الذي واثَقَهم به] (٢)، ميثاقَه الذي واثَق به أهلَ التَّوراةِ بعد ما أَنْزَل كتابَه على نبيِّه موسى فيما أمرَهَم به ونهاهم فيها، فقال: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا﴾ الآيات بعدها [المائدة: ١٢، ١٣]. مُنَبِّهًا بذلك أصحاب رسولِ اللهِ محمدٍ على مَواضعِ حُظوظِهم مِن الوَفاءِ للَّهِ بما عاهَدَهم عليه، ومُعَرِّفَهم سُوءَ عاقبةِ أهلِ الكتابِ في تَضْييعهم ما ضيَّعوا مِن ميثاقه الذي واثَقَهم به في أمرِه ونهيِه، وتَعْزيرِ أنبيائِه ورسلِه، زاجِرًا لهم عن نَكْثِ عُهودِهم، فيُحِلُّ بهم ما أحَلَّ بالناكِثين عهودَه مِن أهلِ الكتابِ قبلَهم.


(١) بعده في ت ١، س: "وأطعنا".
(٢) سقط من: م.