للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى﴾. يقولُ عزَّ ذكرُه لنبيِّه محمدٍ : وَإِن تَدْعُ يا مُحَمَّدُ هؤلاء المعرضين عن آياتِ اللهِ عندَ التذكيرِ بها، إلى الاستقامةِ على محجَّةِ الحقِّ والإيمانِ باللهِ، وما جئتَهم به مِن عندِ ربِّك - ﴿فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا﴾. يقولُ: فلن يستَقيموا إذًا أبدًا على الحقِّ، ولن يؤمِنوا بما دعوتَهم إليه؛ لأن اللهَ قد طبَع على قُلوبِهم، وسمْعِهم وأبْصارِهم.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (٥٨)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ : وربُّك يا محمدُ الساترُ على ذنوبِ عبادِه بعفوِه عنهم إذا تابوا منها: ﴿ذُو الرَّحْمَةِ﴾ بهم ﴿لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ﴾ هؤلاء المعرضين عن آياتِه إذا ذُكِّروا بها، ﴿بِمَا كَسَبُوا﴾ مِن الذُّنوبِ والآثامِ، ﴿لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ﴾ ولكنَّه لرحمتِه بخلقِه غيرُ فاعلٍ ذلك بهم إلى ميقاتِهم وآجالِهم، ﴿بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ﴾. يقولُ: لكنْ لهم موعدٌ، وذلك ميقاتُ محِلِّ عذابِهم، وهو يومُ بدرٍ، ﴿لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: لن يجِدَ هؤلاء المشركون، وإن لم يُعَجِّلْ لَهم العذابُ فى الدنيا، من دونِ المَوْعِدِ الذي جعَلتُه ميقاتًا لعذابِهم، ملْجَأً يلْجَئون إليه، ومَنْجًى يَنْجُون منه. يعنى أنهم لا يَجِدُون مَعقِلًا يعْتقِلون به من عذابِ اللهِ. يُقالُ منه: وأَلْتُ مِن كذا إلى كذا، أيلُ وُءولًا، مثلُ "وُعولًا"، ومنه قولُ الشاعرِ (١):

لا وأَلتْ (٢) نفسكَ خلَّيْتَها … للعامرييْنِ ولم تُكْلَمِ


(١) معانى القرآن للفراء ٢/ ١٤٨ غير منسوب.
(٢) فى م: "واءلت". وهى رواية اللسان (و أ ل).