للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقولُه: ﴿وَأَنْهَارًا﴾. يقولُ: وجعَل فيها أنهارًا، فعطَف بالأنهارِ على الرواسِي، وأعملَ فيها ما أعملَ في الرواسِي، إذ كان مفهومًا معنى الكلامِ والمرادُ منه، وذلك نظيرُ قول الراجزِ (١):

تَسْمَعُ في أجوافِهن صَوْرا … وفي اليَدَيْنِ حَشَّةً وبَوْرَا

والحشَّةُ: اليُبْسُ، فعَطَف بالحَشَّةِ على الصوتِ، والحَشَّةُ لا تُسْمَعُ، إذ كان مفهومًا المرادُ منه، وأن معناه: وتَرَى في اليدين حَشَّةً.

وقوله: ﴿وَسُبُلًا﴾، وهي جمعُ سبيلٍ، كما الطُّرُقُ جمعُ طريقٍ. ومعنى الكلامِ: وجعَل لكم أيُّها الناسُ في الأرضِ سُبُلًا وفجاجًا تَسْلُكونها، وتَسيرون فيها في حوائجِكم، وطَلَبِ معايشِكم؛ رحمةً بكم ونعمةً منه بذلك عليكم، ولو عمّاها عليكم لهلَكتم ضلالًا وحَيْرةً.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿وَسُبُلًا﴾، أي: طُرُقًا (٢).

حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ: ﴿وَسُبُلًا﴾. قال: طُرُقًا (٣).

وقولُه: ﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾، يقولُ: لكي تَهْتَدوا بهذه السُّبُلِ التي جعَلها


(١) البيتان في التبيان للطوسي ٦/ ٣٦٧.
(٢) عزاه السيوطي في الدر ٤/ ١١٣ إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم والخطيب في كتابه النجوم.
(٣) أخرجه عبد الرزاق ١/ ٣٥٤ عن معمر به.