للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان التأويلُ على ما قاله ابن زيدٍ، كان الكلامُ: ثم آتَيْنا موسى الكتابَ تمامًا على الذي أَحْسَنَّا. أو: ثم آتَى اللهُ موسى الكتابَ تمامًا على الذي أَحْسَنَ. وفى وصفِه جلَّ ثناؤُه نفسَه بإيتائِه الكتابَ، ثم صَرْفِه الخبرَ بقولِه: ﴿أَحْسَنَ﴾. إلى غيرِ المُخْبِرِ عن نفسِه؛ بقُرْبِ ما بينَ الخبرين - الدليلُ الواضحُ على أن القولَ غيرُ (١) الذي قاله ابن زيدٍ.

وأما ما ذُكِر عن مجاهدٍ من توجيهِه ﴿الَّذِي﴾ إلى معنى الجميعِ، فلا دليلَ في الكلامِ يَدلُّ على صحةِ ما قال من ذلك، بل ظاهرُ الكلام بالذي اخْتَرْنا مِن القولِ أشْبَهُ، وإذا تُنُوزِع في تأويلِ الكلامِ، كان أوْلَى مَعانِيهِ به أغْلَبَه على الظاهرِ، إلا أن يكونَ مِن العقلِ أو الخبرِ دليل واضحٌ على أنه مَعْنيٌّ به غيرُ ذلك.

وأما قولُه: ﴿وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾. فإنه يَعْنى: وتَبْيِينًا لكلِّ شيءٍ مِن أَمرِ الدينِ الذي أُمِروا به.

فتأويلُ الكلامِ إذن: ثم آتَيْنا موسى التوراةَ تمامًا لنِعَمِنا عندَه، وأَيادِينا قِبَلَه، تَتِمُّ به كرامتُنا عليه، على إحسانِه وطاعتِه ربَّه، وقيامِه بما كلَّفه مِن شرائعِ دينِه، وتَبْيِينًا لكلِّ ما بقومِه (٢) وأتباعِه إليه الحاجةُ مِن أمرِ دينِهم.

كما حدَّثني بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: ﴿وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾: فيه حلالُه وحرامُه (٣).

القولُ في تأويل قولِه: ﴿وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (١٥٤)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: آتَيْنا موسى الكتاب تمامًا وتفصيلًا لكلِّ شيءٍ،


(١) بعده في م: "القول".
(٢) في م: "لقومه"، وفى س: "تقومه"، وفى ف: "يقومه".
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٥/ ١٤٢٣ (٨١١٤) من طريق يزيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ٥٦ إلى عبد بن حميد وابن المنذر وأبى الشيخ.