للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والصوابُ عندنا من القراءةِ في ذلك: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا﴾ بمعنى (١): ولكلٍّ وِجهةٌ وقِبلةٌ، ذلك الكلُّ مُوَلٍّ وَجْهَه نحوَها؛ لإجماعِ الحُجَّةِ من القرَأةِ على قراءةِ ذلك كذلك، وتصويبِها إياها، وشُذوذِ مَن خالَف ذلك إلى غيرِه، وما جاء به النقلُ مستفِيضًا فحُجَّةٌ، وما انفرَد به مَن كان جائزًا عليه السهوُ والغَلطُ (٢)، فغيرُ جائزٍ الاعتراضُ به على الحُجَّةِ.

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾.

يعني جلَّ ثناؤه بقولِه: ﴿فَاسْتَبِقُوا﴾: فبادِرُوا وسارِعُوا، من الاستِباقِ، وهو المبادرَةُ والإسراعُ.

كما حدَّثني المُثَنَّى قال: حدَّثني إسحاقُ، قال: حدَّثنا ابنُ أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيعِ قولَه: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾. يقولُ (٣): فسارِعوا في الخيرات (٤).

وإنما يعني جلَّ ثناؤه بقولِه: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ أي: قد بيَّنتُ لكم أيها المؤمنون الحقَّ، وهدَيتُكم للقبلةِ التي ضلَّت عنها اليهودُ والنصارَى، وسائرُ أهلِ المللِ غيرِكم، فبادِرُوا بالأعمالِ الصالحةِ، شكرًا لربِّكم، وتزوَّدُوا في دنْياكم لآخرتِكم، فإنيِّ قد بيَّنتُ لكم سبيلَ النجاةِ، فلا عُذرَ لكم في التفْريطِ، وحافِظوا على قبلتِكم، فلا تُضيِّعوها كما ضيَّعَتْها الأمَمُ قبلَكم، فتضِلُّوا كما ضلَّتْ.


= أمركم بين هذه وهذه … ، وقدم قوله: (لكلِّ وجهةٍ). على الأمر في قوله: (فاستبقوا). للاهتمام بالوجهة …
قال أبو حيان - بعد أن نقل عنه هذا التوجيه - في البحر المحيط ١/ ٤٣٨، ٤٣٩: وهو توجيه لا بأس به.
(١) ليست في الأصل، ت ٢.
(٢) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "الخطأ".
(٣) في م: "يعني".
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٢٥٧ عقب الأثر (١٣٧٩) من طريق ابن أبي جعفر به.