للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا الجهادُ الكبيرُ (١).

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا (٥٣)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: واللهُ الذي خلَط البحرين، فأمْرَج أحدَهما في الآخرِ، وأفاضَه فيه.

وأصلُ المَرْجِ الخَلْطُ، ثم يُقالُ للتخلِيةِ: مَرْجٌ. لأن الرجلَ إذا خلَّى الشيءَ حتى اختلَط بغيرِه، فكأنَّه قد مرَجه، ومنه الخبرُ عن النبيِّ ، وقولُه لعبدِ اللهِ بن عمرٍو: "كيف بك يا عبدَ اللهِ إذا كنتَ في حُثالةٍ من الناسِ، قد مَرِجَت عهودُهم وأماناتُهم، وصاروا هكذا". وشبَّك بينَ أصابِعِه (٢).

يعني بقولِه: "قد مرِجت". اختلَطت. ومنه قولُ اللهِ: ﴿فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ﴾ [ق: ٥]. أي: مُختلِطٍ.

وإنما قيل للمَرْجِ: مَرْجٌ. من ذلك؛ لأنه يكونُ فيه أخلاطٌ من الدوابِّ، ويقالُ: مَرَجْتَ دابَّتك. أي: خَلَّيتَها تَذْهَبُ حيثُ شاءت. ومنه قولُ الراجزِ (٣):

رَعَى بِها مَرْجَ (٤) رَبِيعٍ مَمْرَجَا

وبنحوِ ما قلْنا في تأويلِ ذلك قال أهلُ التأويلِ.


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٨/ ٢٧٠٧ من طريق أصبغ، عن ابن زيد.
(٢) أخرجه أحمد ١١/ ٥٤ (٦٥٠٨) من حديث عبد الله بن عمرو، وابن حبان (٥٩٥٠، ٥٩٥١) والطبراني في الأوسط (٨٧٩١) من حديث أبى هريرة، وينظر السلسلة الصحيحة (٢٠٥، ٢٠٦).
(٣) هو العجاج، والرجز في ديوانه ص ٣٧٤.
(٤) المرج: الأرض الواسعة ذات نبات كثير تمرج فيها الدواب. اللسان (م ر ج).