للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾.

وأما قولُه: ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾. فإنه أَخْبَرَ جَلَّ ثناؤُه بذلك عن المؤمنين أنهم يقولون ذلك. ففى الكلامِ في قراءةِ مَن قرأَ: ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾ بالنون، متروكٌ قد استُغْنِى بدلالةِ ما ذُكِر عنه، وذلك المتروكُ هو "يقولون".

وتأويلُ الكلامِ: والمؤمنون كلٌّ آمن باللهِ وملائكتِه وكتبِه ورسلِه، يقولون: لا نُفَرِّقُ بينَ أحدٍ مِن رسلِه. وترَك ذكْرَ "يَقُولُون" لدلالةِ الكلامِ عليه، كما ترَك ذكْرَه في قولِه: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (٢٣) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ﴾ [الرعد: ٢٣، ٢٤]. بمعنى: يقولُون: سلامٌ عليكم.

وقد قرَأ ذلك جماعةٌ من المُتقدِّمين: (لا يُفَرِّقُ بينَ أحدٍ من رسلِه) بالياءِ (١)، بمعنى: والمؤمنون كلُّهم آمَن باللهِ وملائكتِه وكتبِه ورسلِه، لا يُفَرِّقُ الكلُّ منهم بينَ أحدٍ من رسلِه، فيُؤْمِنَ ببعضٍ ويَكْفُرَ ببعضٍ، ولكنهم يُصَدِّقون بجميعِهم، ويُقِرُّون أن ما جاءوا به كان مِن عندِ اللهِ، وأنهم دَعَوْا إلى اللهِ وإلى طاعتِه، ويُخالِفون في فعلِهم ذلك اليهودَ الذين أقَرُّوا بموسى وكذَّبوا بعيسى، والنصارى الذين أقَرُّوا بموسى وعيسى وكذَّبوا بمحمدٍ وجحدوا نبوتَه، ومَن أَشْبَهَهم مِن الأممِ الذين كذَّبوا بعضَ رُسُلِ اللهِ وأَقَرُّوا ببعضٍ.

كما حدَّثنا يونسُ، قال: أخْبَرَنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾: كما صنع القومُ - يعنى بني إسرائيلَ - قالوا: فلانٌ نبيٌّ وفلانٌ ليس نبيًّا، وفلانٌ نُؤْمِنُ به وفلانٌ لا نُؤْمِنُ به.


(١) وهي قراءة ابن جبير وابن يعمر وأبي زرعة بن عمرو بن جرير، ويعقوب، ونص رواة أبي عمرو على أنها بالياء. البحر المحيط ٢/ ٣٦٥. ويعقوب من القراء العشرة الذين تواترت قراءاتهم عند الجمهور.