للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شئتُ، وإيلاجَ الليلِ في النهارِ والنهارِ في الليلِ، وإخراج الحيِّ مِن المَيِّتِ والمَيِّتِ مِن الحيِّ، ورزقَ مَن شِئْتُ مِن برٍّ أو فاجرٍ بغير حسابٍ، فكلُّ ذلك لم أُسَلِّطْ عيسى عليه، ولم أُمَلِّكه إياه، فلم (١) يَكُنْ لهم في ذلك عبرةٌ وبيِّنةٌ أن (٢) لو كان إلهًا لكان ذلك كلُّه إليه، وهو في علمِهم يَهرُبُ مِن الملوكِ، وينتقِلُ منهم في البلادِ مِنْ (٣) بلد إلى بلدٍ (٤)!

القولُ في تأويل قولِه: ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾.

وهذا نهىٌ مِن الله ﷿ المؤمنين أن يَتَّخِذوا الكفار أعوانًا وأنصارًا وظهورًا، ولذلك كسَر ﴿يَتَّخِذِ﴾؛ لأنه في موضع جزمٍ بالنهى، ولكنه كسر الذالَ منه للساكن الذي لقيَه وهى ساكنةٌ.

ومعنى ذلك: لا تَتَّخِذوا أيها المؤمنون الكفار ظَهْرًا وأنصارًا، تُوالونهم على ديِنهم، وتُظاهرونهم على المسلمين من دونِ المؤمنين، وتَدلُّونهم على عوراتهم، فإنه مَن يَفْعَلْ ذلك ﴿فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ﴾، يعنى بذلك: فقد برِئَ مِن الله، وبَرِئَ الله منه، بارتدادِه عن دينِه، ودخولِه في الكفرِ، ﴿إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾: إلا أن تَكُونوا في سُلطانهم فتخافوهم على أنفسِكم، فتظهروا لهم الوَلايةَ بألسنتِكم، وتُضْمِروا لهم العداوةَ، ولا تُشايعوهم (٥) على ما هم عليه مِن الكفرِ، ولا


(١) في سيرة ابن هشام: "أفلم" وفى نسخة منها كالمثبت.
(٢) في م: "إذ".
(٣) في ص، ت ١: "ومن"، وفى س: "أو من".
(٤) سيرة ابن هشام ١/ ٥٧٨.
(٥) في ت ٢ ت ٣: "تتابعوهم"، وفى س: "تسابقوهم".