للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

و ﴿أَنْ﴾ التي في قولِه: ﴿أَنْ يُقِيمَا﴾. في موضعِ نصبٍ بـ ﴿ظَنَّا﴾، و ﴿أَنْ﴾ التي في: ﴿أَنْ يَتَرَاجَعَا﴾. جعَلها بعضُ أهلِ العربيةِ في موضعِ نصبٍ بفَقْدِ الخافضِ (١)؛ لأن معنى الكلامِ: فلا جُناحَ عليهما في أن يتراجَعا. فلمّا حُذِفت "في" التي كانت تَخْفِضُها نَصَبها، فكأنّه قال: فلا جُناحَ عليهما تراجُعَهما.

وكان بعضُهم يقولُ (٢): موضعُه خفضٌ، وإن لم يكنْ معها خافضُها، وإن كان محذوفًا فمعروفٌ موضعُه.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٢٣٠)﴾.

يعني تعالى ذكرُه بقولِه: ﴿وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾: هذه الأمورُ التي بَيَّنَها لعبادِه في الطلاقِ والرَّجْعةِ والفِدْيةِ والعِدَّةِ والإيلاءِ وغيرِ ذلك، مما يُبَيِّنُه لهم في هذه الآياتِ، ﴿حُدُودُ اللَّهِ﴾: معالمُ فُصولِ حلالِه وحرامِه، وطاعتِه ومعصيتِه، ﴿يُبَيِّنُهَا﴾: يُفَصِّلُها، فيُمَيِّزُ بينها، ويُعَرِّفُهم أحكامَها، لقومٍ يَعْلَمونها إذا بَيَّنَها اللَّهُ لهم، فيَعْرِفون أنها مِن عندِ اللَّهِ، فيُصَدِّقُون بها، ويَعمَلون بما أَوْدَعهم اللَّهُ من علمِه، دون الذين قد طبَع اللَّهُ على قلوبِهم، وقضَى عليهم أنهم لا يُؤمِنون بها، ولا يُصَدِّقُون بأنها مِن عندِ اللَّهِ، فهم يَجْهَلون أنها من اللَّهِ، وأنها تنزيلٌ من حَكيمٍ حَميدٍ. ولذلك خَصَّ القومَ الذين يَعْلَمون بالبيانِ دون الذين يَجْهلون، إذ كان الذين يَجْهَلون أنها من عندِه قد آيسَ نبيَّه محمدًا (٣) Object من (٤) تصديقِ كثيرٍ


(١) هو الفراء في معاني القرآن ١/ ١٤٨.
(٢) هو الكسائي، فيما نقله الفراء في معاني القرآن، الموضع السابق.
(٣) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "محمد".
(٤) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "عن".