للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فنام لَيْلِي وتجلَّى غمِّي

فوصَف بالنومِ الليلَ، ومعناه أنه هو الذي نام. وكما قال جريرُ بنُ الخَطَفَي (١):

وأَعْوَرَ من نَبْهَانَ أما نهارُه … فأَعْمَى وأما ليلُه فبصيرُ

فأضاف العمى والإبصارَ إلى الليلِ والنهارِ، ومرادُه وصفُ النَّبْهانيِّ (٢) بذلك.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (١٦)﴾.

يعني بقولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾: ما كانوا رُشداءَ في اختيارِهم الضلالةَ على الهدى، واستبدالِهم الكفرَ بالإيمانِ، واشترائِهم النفاقَ بالتصديقِ والإقرارِ.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ﴾.

قال أبو جعفرٍ: إن قال لنا قائلٌ: وكيف قيل: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾. وقد علمتَ أن الهاءَ والميمَ من قولِه: ﴿مَثَلُهُمْ﴾ كنايةُ جماعٍ (٣) من الرجالِ، أو الرجالِ والنساءِ، و ﴿الَّذِي﴾ دلالةٌ على واحدٍ من الذكور، فكيف جعَل الخبرَ عن الواحدِ مثلًا لجماعةٍ؟ وهلَّا قيل: مثلُهم كمثلِ الذين اسْتَوقدوا نارًا؟ وإن جاز عندَك أن تُمثَّلَ الجماعةُ بالواحدِ، فتُجيزَ لقائلٍ رأَى جماعةً من الرجالِ فأعْجَبتْه صُوَرُهم وتمامُ خلقِهم وأجسامِهم أن يقولَ: كَأن هؤلاء، أو كأن أجسامَ


(١) ديوانه ٢/ ٨٧٧.
(٢) في ص: "النهار". والنبهاني: هو الأعور النبهاني، نزل بجرير فأهدى إليه جرير، ولكن الأعور أساء الأدب وأخذ يتفف على ما أهدى إليه، فتهاجيا، فكان ذلك مما أجابه به جرير.
(٣) في م: "جماعة".