للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التجارةُ مما تَربَحُ أو تُوكَسُ (١)، فيقالَ: رَبِحت أو وُضِعَت (٢)؟

قيل: إن وجهَ ذلك على غيرِ ما ظننتَ، وإنما معنى ذلك: فما ربِحوا في تجارتِهم، لا فيما اشْتَرَوا ولا فيما شَرَوا. ولكنّ اللهَ جلَّ ثناؤُه خاطَب بكتابِه عَربًا، فسلَك في خطابِه إيَّاهم وبيانِه لهم مسلَكَ خطابِ بعضِهم بعضًا وبيانِهم المستعمَلِ بينَهم. فلما كان فصيحًا لديهم قولُ القائلِ لآخرَ: خاب سعيُك، ونام ليلُك، وخَسِر بيعُك. ونحوُ ذلك من الكلامِ الذي لا يَخْفى على سامعِه ما يريدُ قائلُه، خاطَبهم بالذي هو في منطقِهم من الكلامِ، فقال: ﴿فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ﴾. إذ كان معقولًا عندَهم أن الربحَ إنما هو في التجارةِ، كما النومُ في الليلِ، فاكتفى بفَهمِ المخاطَبين بمعنى ذلك عن أن يقالَ: فما ربِحوا في تجارتِهم. وإن كان ذلك معناه، كما قال الشاعرُ (٣):

وشرُّ المنَايَا مَيِّتٌ (٤) وَسْطَ (٥) أهلِه … كهُلْكِ الفتاةِ (٦) أسْلَمَ (٧) الحيَّ حاضِرُهْ

يعني بذلك: وشرُّ المنايا مَنيَّةُ (٨) ميِّتٍ وسطَ أهلِه. فاكتفى بفهمِ سامعِ قيلِه مرادَه من ذلك عن إظهارِ ما ترَك إظهارَه. وكما قال رُؤْبةُ بنُ العجَّاجِ (٩):

حارثُ قد فرَّجتَ عنِّي همِّي


(١) في م: "تنقص". وهما بمعنى.
(٢) وُضِع في تجارته: غُبن. اللسان (و ض ع).
(٣) هو الحطيئة، ينظر الكتاب ١/ ٢١٥، وطبقات فحول الشعراء ١/ ١١٢.
(٤) في الطبقات: "هالك".
(٥) في الكتاب: "بين".
(٦) في الكتاب: "الفتى".
(٧) في الطبقات: "أيقظ"، وفي الكتاب: "قد أسلم".
(٨) في ر، ت ٢: "ميتة".
(٩) ديوانه ص ١٤٢.