للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بهم صانعٌ، فإن عندَه علم ما غاب علمُه عن خلقِه، فلم يَطَّلِعُوا عليه ولم يُدْرِكوه ولم يَعْلَموه، ولن (١) يُدْرِكوه، ﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾، يقولُ: وعنده علمُ ما لم يَغِبْ أيضًا عنكم؛ لأن ما في البرِّ والبحرِ مما هو ظاهرٌ للعين يَعْلَمُه العبادُ.

فكأن معنى الكلامِ: وعندَ اللهِ علمُ ما غاب عنكم أيُّها الناسُ مما لا تَعْلَمونه ولن تَعْلَموه مما اسْتَأْثرَ بعلْمِه نفسَه، ويَعْلَمُ أيضًا مع ذلك جميعَ ما يَعْلَمُه جميعُكم، لا يَخْفَى عليه شيءٌ؛ لأنه لا شيء إلا ما يَخْفَى عن الناسِ، أو ما لا يَخْفَى عليهم، فأخْبَر تعالى ذكرُه أن عندَه علمَ كلِّ شيءٍ كان ويَكونُ، وما هو كائنٌ مما لم يَكُنْ بعد، وذلك هو الغيبُ.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٥٩)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: ولا تَسْقُطُ ورقةٌ في الصَّحارِي والبراريِّ، ولا في الأمصارِ والقُرَى، إلا اللهُ يَعْلَمُها، ﴿وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾. يقولُ: ولا شيءٌ أيضًا مما هو موجودٌ، أو مما سيُوجَدُ ولم يُوجَدْ بعدُ، إلا وهو مُثْبَتٌ في اللَّوْحِ المحفوظِ، مكتوبٌ ذلك فيه، ومرسومٌ عددُه ومَبْلَغُه، والوقتُ الذي يُوجَدُ فيه، والحالُ التي يَفْنَى فيها.

ويعني بقوله: ﴿مُبِينٍ﴾. أنه يُبِينُ عن صحةِ ما هو فيه بوجود ما رُسِم فيه على ما رُسِم.

فإن قال قائلٌ: وما وجهُ إثباتِه في اللوحِ المحفوظِ والكتابِ المبينِ ما لا يَخْفَى عليه، وهو بجميعِه عالمٌ لا يَخافُ نسيانَه؟


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "لا".