للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (١٢)﴾.

اخْتَلَفَتِ القَرَأةُ في ذلكَ؛ فقرأه بعضهم: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ﴾ بالتاءِ، على وجهِ الخطابِ للذين كفَروا بأنهم سيُغْلَبون (١). واحتجُّوا لاختيارِهم قراءةَ ذلك بالتَّاءِ بقولِه: ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ﴾. قالوا: ففِى ذلك دليلٌ على أن قولَه: ﴿سَتُغْلَبُونَ﴾. كذلك خطابٌ لهم، وذلك هو قراءةُ عامَّةِ قرأَةِ الحجازِ والبصرةِ وبعضِ الكوفييِّنَ. وقد يَجوزُ لَمن كانت نيَّتُه في هذه الآيةِ أن المَوْعُودينَ بأن يُغلَبُوا هم الذين أُمِر النبيُّ بأن يقولَ ذلك لهم، أن يَقْرَأَه بالتاءِ واليَّاءِ؛ لأن الخِطابَ بالوَحْى حينَ نزَل لغيرِهم، فيَكونُ نظيرَ قولِ القائلِ في الكلامِ: قلتُ للقومِ: إنكم مَغْلُوبون. وقلتُ لهم: إنهم مغلُوبون.

وقد ذُكِر أنّ في قراءةِ عبدِ اللَّهِ: (قُلْ للذين كفَروا إِن تَنْتَهُوا يُغْفَرْ لكم) (٢). وهى في قراءتِنا: ﴿إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ﴾ [الأنفال: ٣٨].

وقرأَتْ ذلكَ جماعةٌ مِن قرأةٍ أهلِ الكوفةِ: (سَيُغْلَبون ويُحشَرون). على معْنى: قُلْ لليهودِ: سيُغْلَبُ مُشرِكو العربِ، ويُحْشَرون إلى جهنمَ. ومَن قرَأ ذلك كذلك على هذا التأويلِ، لمْ يَجُزْ في قراءَتِه غيرُ الياءِ.

والذي نَخْتارُ مِن القِراءةِ في ذلك قراءةُ مَن قرَأَه بالتَّاءِ، بمعنى: قلْ يا محمدُ للذين كفَروا مِن يهودِ بنى إسرائيلَ، الذين يَتَّبِعون ما تَشابَه مِن آى الكتابِ الذي أنْزَلْتُه إليك ابْتِغاءَ الفتنةِ وابتغاءَ تأويلِه: ﴿سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ


(١) هي قراءة نافع وابن كثير وأبى عمرو وعاصم وابن عامر، وقرأ حمزة والكسائى بالياء، وسيأتي. السبعة لابن مجاهد ص ٢٠٣.
(٢) ينظر معاني القرآن للفراء ١/ ١٩٢.