للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَيْمَانِكُمْ﴾. دليلٌ واضحٌ أنه لا يكونُ مؤاخذًا بوجهٍ من الوجوهِ، مَن أخبرنا تعالى ذِكرُه أنه غيرُ مؤاخَذٍ.

فإن ظنَّ ظانٌّ أنه إنما عنَى تعالى ذِكرُه بقولِه: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ﴾، بالعقوبةِ عليها في الآخرةِ إذا حنَثتم وكفَّرتم، لا أنه لا يؤاخذُهم بها (١) في الدنيا بتكفيرٍ، فإن إخبارَ اللهِ تعالى ذِكرُه وأمره ونهيَه في كتابِه على الظاهرِ العامِّ عندنا - بما قد دلَّلنا على صحةِ القولِ به في غيرِ هذا الموضعِ، فأغنَى عن إعادتِه - دونَ الباطنِ العامِّ الذي لا دلالةَ على خصوصِه في عقلٍ ولا خبرٍ، ولا دلالةَ من عقلٍ ولا خبرٍ أنه عنَى تعالى ذِكرُه بقولِه: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ﴾ بعضَ معاني المؤاخذةِ دونَ جميعِها.

وإذ كان ذلك كذلك، وكان مَن لزِمتْه كفارةٌ في يمينٍ حنَث فيها مؤاخَذًا بها بعقوبةٍ في مالِه عاجلةٍ - كان معلومًا أنه غيرُ الذي أخبرنا تعالى ذكرُه أنه لا يؤاخذُه بها.

وإذ كان الصحيحُ من التأويلِ في ذلك ما قلنا بالذي عليه دلَّلنا، فمعنى الكلامِ إذن: لا يؤاخذُكم اللهُ أيها الناسُ بلغوٍ من القولِ والأيمانِ إذا لم تتعمَّدوا بها معصيةَ اللهِ تعالى ذكرُه، ولا خلافَ أمرِه، ولم تَقصِدوا بها إثمًا، ولكن يؤاخذُكم بما تعمَّدتم به الإثمَ، وأوجَبتموه على أنفسِكم، وعزَمت عليه قلوبُكم، ويُكفَّرُ ذلك عنكم، فيُغطِّي على سَيِّئِ ما كان منكم، مِن كَذِبٍ وزُورِ قولٍ، ويمحُوه عنكم فلا يُتْبِعُكم به ربُّكم إطعامَ عشرةِ مساكينَ من أوسطِ ما تُطْعِمون أهليكم.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾.


(١) في ص، ت ٢، س: "بما".