للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مُنْتَهُونَ﴾. فجفتُ إلى أصحابي فقرأتُها عليهم إلى قولِه: ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾. قال: وبعضُ القومِ شَرْبتُه في يدِه قد شرِب بعضًا، وبَقِيَ بعضٌ في الإناءِ، فقال بالإناءِ تحتَ شفتِه العليا كما يفعلُ الحجّامُ، ثم صَبُّوا ما في باطِيَتِهم (١)، فقالوا: انتهينا ربَّنا، انتهينا ربَّنا (٢).

وقال آخرون: إنما كانت العداوةُ والبغضاءُ، كانت تكونُ بينَ الذين نزَلت فيهم هذه الآيةُ، بسببِ الميسرِ، لا بسببِ السكْرِ الذي يَحْدُثُ لهم من شُرْبِ الخمرِ، فلذلك نهاهم اللهُ عن الميسرِ.

ذكرُ من قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا جامعُ بنُ حمادٍ، قال: ثنا يزيدُ بنُ زريعٍ - قال بشرٌ: وقد سمِعتُه يزيدَ وحدَّثنيه - قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قال: كان الرجلُ في الجاهليةِ يُقامِرُ على أهلِه ومالِه، فيقعُدُ حزينًا سَلِيبًا، ينظرُ إلى مالِه في يَدَى غيرِه، فكانت تُورِثُ بينهم عداوةً وبغضاءَ، فنهى اللهُ عن ذلك، وقدَّم فيه، واللهُ أعلمُ بالذي يُصْلِحُ خلقَه (٣).

والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندَنا أن يقالَ: إن الله تعالى قد سمَّى هذه الأشياءَ التي سمَّاها في هذه الآيةِ رِجْسًا، وأمَر باجتنابِها.

وقد اختلف أهلُ التأويلِ في السببِ الذي مِن أجلِه نزَلت هذه الآيةُ، وجائزٌ أن


(١) الباطية: إناء من الزجاج عظيم، تُملأُ من الشراب وتوضع بين الشَّرْب يغرفون منها ويشربون. اللسان (ب ط ى).
(٢) ذكره ابن كثير في تفسيره ٣/ ١٧٧ عن المصنف بزيادة في أوله. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٣١٥ إلى المصنف دون هذه الزيادة.
(٣) ذكره البغوي في تفسيره ٣/ ٩٤.