للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾. يقولُ: وصدَّق المؤمنون أيضًا مع نبيِّهم باللهِ وملائكتِه وكتبِه ورسلِه، الآيتين. وقد ذكَرْنا قائلى ذلك قبلُ (١).

واخْتَلَفت القرأةُ في قراءةِ قولِه: ﴿وَكُتُبِهِ﴾ فقرَأ ذلك عامَّةُ قرَأَةِ المدينةِ وبعضُ قرَأَةِ أهلِ العراِق ﴿وَكُتُبِهِ﴾ (٢) على وجهِ جمعِ الكتابِ، على معنى: والمؤمنون كلٌّ آمَن باللهِ وملائكتِه وجميعِ كتبِه التي أنْزَلَها على أنبيائِه ورسلِه.

وقرَأ ذلك جماعةٌ مِن قرأةِ أهلِ الكوفةِ: (وكتابِه) (٣). بمعنى: والمؤمنون كلٌّ آمَن باللهِ وملائكتِه وبالقرآنِ الذي أنْزَلَه على نبيِّه محمدٍ .

وقد رُوِى عن ابن عباسٍ أنه كان يَقْرَأُ ذلك: (وكتابِه) (٤). ويقولُ: الكتابُ أكثرُ مِن الكتبِ. وكان ابن عباسٍ يُوَجِّهُ تأويلَ ذلك إلى نحوِ قولِه: ﴿وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ [العصر: ١، ٢]. يعني جنسَ الناسِ وجنسَ الكتابِ، كما يقالُ: ما أكثرَ درهمَ فلانٍ ودينارَه. ويُرادُ به جنسُ الدراهمِ والدنانيرِ.

وذلك وإن كان مذهبًا من المذاهبِ معروفًا، فإن الذي هو أَعْجَبُ إليَّ مِن القراءةِ في ذلك أن يُقْرَأَ بلفظِ الجمعِ؛ لأن الذي قبلَه جمعٌ، والذي بعدَه كذلك - أعْنِى بذلك: ﴿وَمَلَائِكَتِهِ﴾ ﴿وَرُسُلِهِ﴾ - فالْحاقُ "الكتبِ" في الجمعِ لفظًا به أعجبُ إليَّ مِن توحيدِه وإخراجِه في اللفظِ به بلفظِ الواحدِ؛ ليكونَ لاحقًا في اللفظِ والمعنى بلفظِ ما قبلَه وما بعدَه وبمعناه.


(١) ينظر ما تقدم ص ١٣٠ - ١٣٨.
(٢) وهى قراءة نافع وابن كثير وعاصم وابن عامر وأبي عمرو السبعة لابن مجاهد ص ١٩٥، ١٩٦.
(٣) وهى قراءة الكسائي وحمزة. المصدر السابق.
(٤) أخرجه سعيد بن منصور في سننه (٤٧٧ - تفسير) من طريق عكرمة، عن ابن عباس.