للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حاجته إليه، وإنما حاله معه ما دام حيًّا مُمهَلًا بالعقوبة، كما وصفه الله جلَّ ثناؤه بقوله: ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾. يَعْنى بذلك جلَّ ثناؤُه: يَعِدُ الشيطان المريدُ أولياءه الذين هم نصيبُه المفروض أن يَكُونَ لهم نصيرًا ممن أرادهم بسوء، وظهيرًا لهم عليه، يمنَعُهم منه، ويدافع عنهم، ويُمنِّيهم الظُّفَرَ على من حاول مكروههم والفَلْجَ (١) عليهم، ثم قال: ﴿وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾. يَقُولُ: وما يَعِدُ الشيطانُ أولياءه الذين اتَّخَذوه وليًّا مِن دونِ اللهِ إِلا غُرُورًا، يَعْنى: إلا باطلًا، وإنما جعَل عِدَتَه إياهم ما وعدهم غُرورًا؛ لأنهم كانوا يحسبون أنهم في اتخاذهم إياه وليًّا على حقيقةٍ (٢) من عِداته الكاذبة (٣) وأمانيه الباطلة، حتى إذا حَصْحَصَ الحقُّ وصاروا إلى الحاجة إليه (٤)، قال لهم عدوُّ الله: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ﴾ [إبراهيم: ٢٢]. وكما قال للمشركين ببدر وقد زيَّن لهم أعمالهم: ﴿لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ﴾. وحَصْحَصَ الحقُّ وَعَاينَ جِدَّ (٥) الْأَمْر وَنُزُولَ عَذابِ اللهِ بِحزْبِهِ ﴿نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الأنفال: ٤٨]. فصارت عِداتُه - عدوَّ اللهِ - إياهم عندَ حاجتهم إليه غُرورًا ﴿كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ


(١) الفلج: الظفر والفوز. التاج (ف ل ج).
(٢) في م: "حقيقته".
(٣) في ص، ت ١، ت ٢، س: "الكذب".
(٤) في الأصل: "إليهم".
(٥) في ص، م: "حد".