للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ﴾: ألم نُبَيِّنْ لكم أنا (١) على ما أنتم عليه (٢).

قال أبو جعفرٍ: وهذان القولان مُتقاربِا المعنى، وذلك أن مِن تأوَّله بمعنى: ألم نُبَيِّنْ لكم، إنما أراد - إن شاء اللهُ - ألم نَغْلِبْ عليكم بما كان منَّا مِن البيانِ لكم أنَّا معكم.

وأصلُ الاستحواذِ في كلامِ العربِ - فيما بَلَغَنا - الغَلَبَةُ، ومنه قولُ اللَّهِ جلّ ثناؤُه: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ﴾ [المجادلة: ١٩]. بمعنى غَلَب عليهم، يقالُ منه: حاذَ عليه، واستَحاذَ يَحِيذُ ويَسْتَحِيذُ، وأحاذَ يُحِيذُ. ومِن لغةِ مَن قال: "حاذَ"، قولُ العَجَّاجِ في صفةِ ثَوْرٍ وكلابٍ (٣):

يَحُوذُهنَّ وله حُوذِيُّ

وقد أنشَد بعضُهم:

يَحُوزُهنَّ وله حوزِيُّ

وهما مُتَقارِبا المعنى.

ومن لغة مِن قال: "أحاذَ"، قول لبيد في صفةِ عَيْرٍ وأُتُنٍ (٤):

إذا اجتَمَعَت وأَحْوَذَ جانِبَيْها … وأَوْرَدَها على عُوجٍ طِوَالِ

يعنى بقوله: وأَحْوَذَ جانِبَيْها: غَلَبَها وقَهَرها حتى حاذِ كلا جانبيَها، فلم يَشِذَّ منها شيءٌ.


(١) بعده في م، ت ١، ت ٢: "معكم".
(٢) ينظر التبيان ٣/ ٣٦٣، وراجع حاشية (٢).
(٣) ديوان العجاج ص ٣٣٢، ورواية الديوان: "يحوذها وهو لها حوذى".
(٤) شرح ديوان لبيد ص ٨٦. والعير: الحمار. والأُتُن: جمع أَتان وهى أنثاه. وأحوذ: جَمَع وضَمَّ. والعوج. الطوال، أراد: قوائهما.