للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ (١).

وقال آخرون: بل معنى ذلك: ومَن يَفْعَلْ ما حَرَّمْتُه عليه مِن أوّلِ هذه السورةِ إلى قولِه: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ﴾؛ مِن نكاحِ مَن حَرَّمْتُ نكاحَه، وتعدِّى حدودِه، وأكْلِ أموال الأيتامِ ظلمًا، وقَتْلِ النفسِ المحرَّمِ قتلُها ظلمًا بغيرِ حقٍّ.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: ومَن يَأْكُلْ مالَ أخيه المسلمِ ظلمًا بغيرِ طِيبِ نفسٍ منه، وقَتَلَ أخاه المؤمنَ ظلمًا، فسوف نُصلِيه نارًا.

قال أبو جعفرٍ: والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندى أن يُقالَ: معناه: ومَن يَفْعَلْ ما حرَّم اللهُ عليه مِن قوِله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ إلى قولِه: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ﴾. مِن نكاحِ المحرَّماتِ، وعَضْلِ المحرَّمِ عَضْلُها مِن النساءِ، وأكْلِ المالِ بالباطلِ، وقَتْلِ المحرَّمِ قتلُه من المؤمنينِ؛ لأن كلَّ ذلك مما وعَد اللهُ عليه أهلَه العقوبةَ.

فإن قال قائلٌ: فما مَنَعك أن تَجْعَلَ قولَه: ﴿ذَلِك﴾ معنِيًّا به جميعَ ما أوعَد اللهُ عليه العقوبةَ مِن أولِ السورةِ؟ قيل: مَنَعَنى (٢) ذلك، أن كلَّ فَصْلٍ مِن ذلك قد قد قُرِن بالوعيدِ، إلى قولِه: ﴿أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾، ولا ذِكْرَ للعقوبةِ مِن بعدِ ذلك على ما حرَّم اللهُ في الآيِ التي بعدَه، إلى قولِه: ﴿فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا﴾. فكان قولُه: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ﴾؛ معنيًّا به ما قلنا مما لم يُقْرَنْ بالوعيدِ، مع إجماع الجميعِ على أن الله تعالى قد تَوَعَّد على كلِّ ذلك، أَوْلَى مِن أَن يَكُونَ معنيًّا به ما يتسلَّفُ (٣) فيه الوعيدُ بالنَّهي مقرونًا قبلَ ذلك.


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ١٤٥ إلى المصنف وابن المنذر.
(٢) في م: "منع".
(٣) في م: "سلف". ويتسلَّف: يتقدم.