للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد يجوزُ أن يكونَ معناه، كان في قراءتِه ذلك كذلك: وإِن كُلًّا لَيُوَفِّيَنَّهم؛ أى: ليُوَفِّيَنَّ كُلًّا، فتكونَ نيَّتُه فى نصبِ كلٍّ كانت بقولِه: ﴿لَيُوَفِّيَنَّهُمْ﴾. فإن كان ذلك أراد، ففيه مِن القُبحِ ما ذكَرْتُ مِن خلافِه كلامَ العربِ، وذلك أنها لا تَنْصِبُ بفعلٍ بعدَ لامِ اليمينِ اسمًا قبلَها.

وقرَأ ذلك بعضُ أهلِ الحجازِ والبصرةِ: (وإنَّ) مشددةً، (كُلًّا لَمَا) مخففةً، ﴿لَيُوَفِّيَنَّهُمْ﴾ (١). ولهذه القراءةِ وجهان من المعنى؛ أحدُهما: أن يكونَ قارِئُها أراد: وإنَّ كلًّا لَمَن ليُوَفِّيَنَّهم ربُّك أعمالَهم، فيُوجِّهَ "ما" التي في "لَمَا" إلى معنى "مَن"، كما قال جلَّ ثناؤُه: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٣]. وإن كان أكثرُ استعمالِ العربِ لها فى غيرِ بنى آدمَ، ويَنْوِى باللامِ التي في "لَمَا" اللامَ التى تُتَلَقَّى بها "إنْ" جوابًا لها، وباللامِ التى فى قولِه: ﴿لَيُوَفِّيَنَّهُمْ﴾ لامَ اليمينِ، دَخَلَت فيما بينَ "ما" وصلتِها، كما قال جلَّ ثناؤُه: ﴿وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ﴾ [النساء: ٧٢]. وكما يقالُ: هذا ما لَغَيرُه أَفْضَلُ منه.

والوجهُ الآخرُ: أن يَجْعَلَ "ما" التى فى "لَمَا" بمعنى "ما" التي تَدْخُلُ صلةً في الكلامِ، واللامُ التي فيها هى اللامُ التي يُجابُ بها، واللامُ التي في ﴿لَيُوَفِّيَنَّهُمْ﴾ هي أيضًا اللامُ التى يُجابُ بها "إنَّ"، كُرِّرَت وأُعِيدَت، إذ كان ذلك موضعَها، وكانت الأُولى مما تُدْخِلُها العربُ في غيرِ موضعِها، ثم تُعِيدُها بعدُ في موضعِها، كما قال الشاعرُ (٢):

فلو أنَّ قَوْمِي لم يَكُونوا أَعِزَّةً … لَبَعْدُ لَقَدْ لاقَيْتُ لا بُدَّ مَصْرَعِى (٣)


(١) هي قراءة أبي عمرو والكسائي. السبعة لابن مجاهد ص ٣٣٩.
(٢) البيت في معاني القرآن للفراء ٢/ ٣٠.
(٣) في م، ومصدر التخريج: "مصرعا".