للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الروايةِ عمَّن رُوِي عنه في ذلك قراءةٌ في كتابِ "القِراءاتِ"، وأخْبَرْنا بالذي نَخْتارُ مِن القراءةِ فيه، والعلةِ المُوجِبةِ صحةَ ما اخْتَرْناه مِن القراءةِ فيه، فكرِهنا إعادةَ ذلك في هذا الموضعِ، إذ كان الذي قصَدْنا له في كتابِنا هذا البيانَ عن وجوهِ تأويلِ آيِ القرآنِ دونَ وجوهِ قراءتِها.

ولا خلافَ بينَ جميعِ أهلِ المعرفةِ بلغاتِ العربِ أن المَلِكَ مِن المُلْكِ مشتقٌّ، وأن المالكَ مِن المِلْكِ مأخوذٌ، فتأويلُ قراءةِ مَن قرَأ ذلك: (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ). أن للَّهِ المُلْكَ خالصًا يومَ الدينِ دونَ جميعِ خلقِه الذين كانوا قبلَ ذلك في الدنيا مُلوكًا جَبابرةً يُنازِعونه المُلْكَ، ويُدافِعونه الانفرادَ بالكِبْرياءِ والعظمةِ والسلطانِ والجَبْرِيةِ، فأيْقَنوا (١) بلقاءِ اللَّهِ يومَ الدينِ أنهم الصَّغَرةُ الأذِلَّةُ، وأن له مِن (٢) دونِهم ودونِ غيرِهم المُلْكَ والكبرياءَ والعزةَ والبَهاءَ، كما قال جل ذكرُه وتقَدَّسَت أسماؤُه في تنزيلِه: ﴿يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [غافر: ١٦]. فأخْبَر تعالى أنه المنفردُ يومَئذٍ بالمُلْكِ دون ملوكِ الدنيا الذين صاروا يومَ الدين مِن مُلْكِهم إلى ذلةٍ وصَغارٍ، ومِن دنياهم في المَعادِ إلى خَسارٍ.

وأما تأويلُ قراءةَ مَن قرأ: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ فما حدَّثنا به أبو كُرَيْبٍ، قال: حدَّثنا عثمانُ بنُ سعيدٍ، عن بشرِ بنِ عُمارةَ، قال: حدَّثنا أبو رَوْقٍ، عن الضحاكِ، عن ابنِ عباسٍ: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾. يقولُ: لا يَمْلِكُ أحدٌ في ذلك اليومِ معه حكمًا كمِلْكِهم في الدنيا. ثم قال: ﴿لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا﴾ [النبأ: ٣٨]. وقال: ﴿وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ﴾ [طه: ١٠٨].


= قراءة عاصم والكسائي، وأما قراءة (مالِكَ) بفتح الكاف فهي رواية المطوعي عن الأعمش، وهي من الشواذ. ينظر إتحاف فضلاء البشر ص ٧٦.
(١) سقط من: ر.
(٢) سقط من: م، ت ٢.