للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ (١) [الأنبياء: ٢٨].

قال أبو جعفرٍ: وأولى التأويلَيْن بالآيةِ وأصحُّ القِراءتَين في التلاوةِ عندي التأويلُ الأولُ، و (٢) قراءةُ مَن قرَأ (مَلِكِ). بمعنى المُلْكِ؛ لأن في الإقْرارِ له بالانفرادِ بالمُلْكِ إيجابًا لانفرادِه بالمِلْكِ، وفضيلةَ زيادةِ المَلِكِ على المالكِ (٣)، إذ كان معلومًا ألا مَلِكَ إلا وهو مالكٌ، وقد يكونُ المالكُ لا مَلِكًا.

وبعدُ، فإن اللَّهَ جل ذكرُه قد أخْبَر عبادَه في الآيةِ التي قبلَ قولِه: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ أنه مالكُ جميعِ العالَمين، وسيدُهم، ومُصْلِحُهم، [والناظرُ لهم] (٤)، والرحيمُ بهم في الدنيا والآخرةِ بقولِه: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾. فإذ (٥) كان جل ذكرُه قد أنْبَأهم عن مِلْكِه إياهم كذلك بقولِه: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ فأولى الصفاتِ مِن صفاتِه جل ذكرُه أن يَتبَعَ ذلك، ما لم يَحْوِه قولُه: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ مع قربِ ما بينَ الآيتَيْن مِن المُواصَلةِ والمُجاوَرةِ، إذ كانت حكمتُه الحكمةَ التي لا تُشْبِهُها حِكْمةٌ. وكان في إعادةِ وصفِه جل ذكرُه بأنه: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ إعادةُ ما قد مضَى مِن وصفِه به في قولِه: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. مع تقاربِ الآيتين وتجاوُرِ الصفتَيْن، وكان في إعادةِ ذلك تكرارُ ألفاظٍ مختلفةٍ بمعانٍ متفقةٍ، لا تُفِيدُ سامعَ ما كُرِّر منه فائدةً به إليها حاجةٌ. والذي لم يَحْوِه مِن صفاتِه جل


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٢٩ (٢٤) من طريق أبي كريب به مختصرا.
(٢) بعده في ص، م، ت ١، ت ٢: "هي".
(٣) في ص، ت ١، ت ٢: "الملك".
(٤) سقط من: ر.
(٥) في ص: "فإن"، وفي م: "فإذا"، وفي ت ١: "وإذ".