للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأزواجِهم وصيَّةٌ.

والقولُ الأولُ أوْلَى بالصوابِ في ذلك، وهو أن تكونَ الوصيةُ - إذا رُفِعت - مرفوعةً بمعنى: كُتِب عليكم وصيةٌ لأزواجِكم. لأن العربَ تُضْمِرُ النكراتِ مرافعَها قبلَها إِذا أَضْمَرت، فإذا أظهرت بدأَت به قبلَها فتقولُ: جاءني رجلٌ اليومَ. وإذا قالوا: رجلٌ جاءنى اليومَ. لم يكادُوا أن يقولوه إلّا والرجلُ حاضرٌ يُشيرون إليه بـ "هذا"، أو غائبٌ قد علِم المخبَرُ عنه خبره، أو بحذفِ "هذا"، وإضمارِه، وإن حذَفوه لمعرفةِ السامعِ بمعنى المتكلِّمِ، كما قال اللهُ تعالى ذِكُره: ﴿سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا﴾ [النور: ١]. ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [التوبة: ١]. فكذلك ذلك في قولِه: (وَصِيَّةٌ لأَزْوَاجِهِمْ).

وأَولى القراءتينِ بالصوابِ في ذلك عندنا قراءةُ مَن قرأَهُ رفعًا (١)؛ لدَلالةِ ظاهرِ القرآن على أن مُقامَ المتوفَّى عنها زوجُها في بيتِ زوجهِا المتوفَّى حولًا كاملًا، كان حقًّا لها قبلَ نزولِ قولِه: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾. وقبلَ نزُولِ آية الميراثِ، ولتظاهُرِ الأخبارِ عن رسولِ اللهِ بنحوِ الذي دَلَّ عليه الظاهرُ مِن ذلك، أوصى لهنَّ أزواجُهنَّ بذلك قبلَ وفاتهنَّ أو لم يُوصوا لهنَّ به.

فإن قال قائلٌ: وما الدَّلالةُ على ذلك؟ قيل: لمَّا قال اللهُ تعالى ذكرُه: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ﴾ وكان الموصِى لا شَكَّ إِنما يُوصِى في حياتِه بما يَأْمُرُ (٢) بإنْفاذه بعدَ وفاتِه، وكان مُحالًا أن يُوصِيَ بعدَ وفاتِه، وكان تعالى ذِكُره إنما جعَل لامرأةِ الميتِ سكنَ الحولِ بعد وفاتِه، [عُلِم أنه] (٣) حقٌّ


(١) القراءتان كلتاهما صواب مقروء بهما.
(٢) في م: "يؤمر".
(٣) في ص، ت ١، ت ٢، س: "علما به".