للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الهَفْوةِ، وبادَروا الإنابةَ مِن الزَّلَّةِ، كما قال نوحٌ حِين عوتِب في مسألتِه، فقيل له: ﴿فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ -: ﴿رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (١) [هود: ٤٦، ٤٧]. وكذلك فعْلُ كلِّ مُسَدَّدٍ للحقِّ مُوَفَّقٍ له، سَريعةٌ إلى الحقِّ إنابتُه، قريبةٌ إليه أوْبتُه.

وقد زعَم بعضُ نحْويِّى أهلِ البصرةِ أن قولَه: ﴿أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾. لم يكنْ ذلك لأن الملَائكةَ ادَّعَوْا شيئًا، إنما أخْبَر عن جهْلِهم بعلمِ الغيبِ وعلمِه بذلك وفضلِه، فقال: أنْبِئونى إن كنتم صادقين. كما يقولُ الرجلُ للرجلِ: أنْبِئْنى بهذا إن كنتَ تَعْلَمُ. وهو يَعْلَمُ أنه لا يَعْلَمُ، يُرِيد أنه جاهِلٌ.

وهذا قولٌ إذا تدَبَّره متَدَبِّرٌ عَلِم أن بعضَه مفْسِدٌ بعضًا، وذلك أن قائلَه زعَم أن اللهَ تعالى ذكرُه قال للملائكةِ -إذ عرَض عليهم أهلَ الأسماءِ-: ﴿أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ﴾. وهو يَعْلَمُ أنهم لا يَعْلَمون ذلك (٢)، ولا هم ادَّعَوْا [علمَ شيءٍ] (٣) يوجِبُ أن يوبَّخوا بهذا القولِ. وزعَم أن قولَه: ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ نظيرُ قولِ القائل (٤): أنْبِئْنى بهذا إن كنتَ تَعْلَمُ. وهو يَعْلَمُ أنه لا يَعْلمُ، يُرِيدُ أنه جاهلٌ. ولا شكَّ أن معنى قولِه: ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾. إنما هو: إن كنتم صادقينَ، إمّا في قولِكم، وإمّا في فعلِكم، لأن الصدقَ في كلامِ العربِ إنما هو صِدقٌ في الخبرِ لا في العلمِ، وذلك أنه غيرُ معقولٍ في لغةٍ مِن اللغاتِ أن يُقالَ: صدَق


(١) سقطت هذه الآية من: ص، م، ت ١، ت ٢.
(٢) سقط من: ص، ر، م، ت ١، ت ٢.
(٣) في ص: "شيئًا".
(٤) في ر، م: "الرجل للرجل".