للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قيل: إن النسيانَ على وجهين؛ أحدُهما: على وجهِ التَّضْييعِ من العبدِ والتَّفْريطِ. والآخرُ: على وجهِ عجزِ الناسى عن حفظِ ما اسْتُحْفِظ ووُكِّل به، وضعفِ عقلِه عن احتمالِه.

فأما الذي يكونُ من العبدِ على وجهِ التَّضْييعِ منه والتفريطِ، فهو تركٌ منه لما أُمِر بفعلِه، فذلك الذي يَرْغَبُ العبدُ إلى اللهِ في تركِه مُؤاخَذتَه به، وهو النسيانُ الذي عاقَب اللهُ به آدمَ صلواتُ اللهِ عليه، فأَخْرَجَه مِن الجنةِ، فقال في ذلك: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ [طه: ١١٥]. وهو النسيانُ الذي قال جلّ ثناؤُه: ﴿فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا﴾ [الأعراف: ٥١]. فرغبةُ العبدِ إلى اللهِ ﷿ بقولِه: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ فيما إليه مِن نسيانٍ منه لما أُمِر بفعلِه، على هذا الوجهِ الذي وصَفْنا، ما لم يكنْ تركُه ما ترَك من ذلك تَفْريطًا منه فيه وتَضْييعًا، كفرًا باللهِ، فإن ذلك إذا كان كفرًا باللهِ، فإن الرغبةَ إلى اللهِ في تركِه المؤاخذةَ به غيرُ جائزةٍ؛ لأن الله جلَّ ثناؤُه قد أخْبَر عبادَه أنه لا يَغْفِرُ لهم الشركَ به، فمسألتُه فِعْلَ ما قد أَعْلَمَهم أنه لا يَفْعَلُه خطأٌ، وإنما تجوزُ (١) مسألتُه المغفرةَ فيما كان (٢) مثلَ نسيانِه القرآنَ بعدَ حفظِه بتَشاغُلِه عنه وعن قراءتِه، وبمثلِ نسيانِه صلاةً أو صيامًا، باشتغالِه عنهما بغيرِهما حتى ضيَّعهما.

وأما الذي العبدُ به غيرُ مُؤاخَذٍ لعجزِ بِنْيَتِه عن حفظِه، وقلةِ احتمالِ عقلِه ما وُكِّل بمراعاتِه، فإن ذلك مِن العبدِ غيرُ معصيةٍ، وهو به غيرُ آثمٍ، فذلك الذي لا وجهَ لمسألةِ العبدِ ربَّه أن يغفِرَه له؛ لأنه مسألةٌ منه له أن يَغْفِرَ له ما ليس له بذنبٍ، وذلك مثلُ الأمرِ يَغْلِبُ عليه وهو حَريصٌ على تذكُّرِه وحفظِه، كالرجلِ يَحْرِصُ على حفظِه


(١) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "يكون".
(٢) بعده في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "من".